منذ بداية الحرب على غزة، والحديث عن معاناة الصحافيين متواصل. فالاحتلال الإسرائيلي أباح كل أشكال الاعتداء عليهم وعلى عائلاتهم وممتلكاتهم، ومعداتهم. فسقط أكثر من 130 شهيداً، بينما دُمّرت تقريباً كل المقرات الإعلامية في القطاع. وإلى جانب كل الانتهاكات التي يتعرّض لها الجسم الصحافي الفلسطيني، بدا واضحاً منذ بداية حرب الإبادة الاستهداف المُباشر للمُحتوى الفلسطيني، عبر حظر صفحات الصحافيين والصحافيات على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب حظر أرقامهم على "واتساب".

ويتسبب استهداف صفحات وأرقام الصحافيين بحالة من التشتت والبلبلة، خصوصاً في ظل اعتمادهم عليها بشكل أساسي في عملهم، وفي أرشفة موادهم الإعلامية المكتوبة والمُصورة، إلى جانب كونها الوسيلة الوحيدة للتواصل مع الوسائل الإعلامية التي يعملون معها. ويؤدي فقدان وحجب هذه الحسابات والأرقام إلى مضاعفة معاناتهم المهنية، في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي للشهر الخامس على التوالي.

"واتساب" يضيّق الخناق على الصحافيين

تقول الصحافية الفلسطينية، ريما محمود، إنها تعرضت خلال هذا العدوان إلى حظر رقمها أكثر من مرة، ما تسبب بتعطُّل عملها لفترة طويلة، "خصوصاً أن الحظر تزامن مع الانقطاع شبه الكامل للإنترنت، والاتصالات، وصعوبة إيجاد البدائل بفعل تفاقم الأوضاع الميدانية". وتلفت محمود لـ "العربي الجديد" إلى أن حظر صفحات، "وأرقام الناشطين، والصحافيين الفلسطينيين الميدانيين، يأتي في ظل الحرب الشرسة التي تستهدف الصحافي الفلسطيني، كما تستهدف الصوت، والصورة، التي تكشف مدى فظاعة الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين. وهي الجرائم التي تفضحها عدسات المصورين، وحناجر المراسلين، وأقلام الإعلاميين".

في الإطار نفسه، يُبين الصحافي أسعد البيروتي، مدى صعوبة حظر صفحة أو رقم الصحافي، خاصة وقت الأزمات والحروب، إذ باتت مصدره الوحيد في التواصل مع الضيوف لإعداد التقارير الصحافية، كذلك وسيلته الوحيدة في التواصل مع وسيلة الإعلام الخاصة به، ويقول "يتسبب الحظر في شل قدرة الصحافي على مواصلة عمله".

ويوضح البيروتي، الذي تعرض كذلك لحظر رقمه أكثر من مرة خلال الحرب، لـ "العربي الجديد" أنه يعتمد على المجموعات الصحافية لمُتابعة عمله، ومعرفة آخر المُستجدات، كذلك في التواصل مع باقي زملائه. ويقول "أعتمد على عدد من المجموعات لتبادل المنفعة مع أصدقائي، فيما يتعلق بأفكار التقارير، أو الأرقام الخاصة بالشخصيات، ويتسبب الحظر بحرمان الصحافي من تلك المصادر كافة".

ويُشير البيروتي إلى أن حظر أرقام الصحافيين يُعتبر حلقة من حلقات الاعتداءات المُتواصلة على الصحافيين الفلسطينيين بشكل مُباشر، أو غير مُباشر، التي تهدف بشكل عام إلى شل قُدرته على مواصلة عمله، في إظهار المظلومية الفلسطينية، في ظل تزايد شراسة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

عرقلة العمل

من ناحيته، يُبين الصحافي محمد الهمص، أن استهداف الصحافيين على مواقع التواصل الاجتماعي مُتعدد، ويشمل استهدافهم، وحظر أرقامهم بشكل كبير على "واتساب". ويقول "هذا الأمر تكرر معي مرتين مُنذ بداية العدوان على قطاع غزة، كانت المرة الأولى قبل نزوحي من مدينة غزة، حين كنت أعمل من داخل مجمع الشفاء الطبي، إذ تم حظري برفقة عدد من الزملاء في يوم واحد".

ويلفت الهمص لـ "العربي الجديد" إلى أنه اضطر لتغيير رقمه لمواصلة عمله، إلا أنه تفاجأ بعد أسابيع بتكرار عملية الحظر مرة أخرى، ما دفعه إلى تغيير رقم هاتفه مجدداً، الأمر الذي أفقده التواصل مع عدد كبير من الأشخاص الذين كان يعمل معهم، إلى جانب فقدانه القدرة على التواصل مع باقي زملائه، خصوصاً بعد اضطراره للنزوح.

ويوضح الهمص أن حظر الأرقام يضع الصحافي في إحراجات كبيرة، إلى جانب تأثيره المُباشر على عمله، حيث يضطره إلى التعريف عن نفسه مجدداً لوسائل الإعلام التي يعمل معها، وشرح تفاصيل ما حدث، ما يتسبب بمشاكل كثيرة، خصوصاً في ما يتعلق بضياع بعض المواد المؤرشفة، والتي لم يتقاضَ أي أجر مُقابلها.

ويأتي حظر "واتساب" أرقام الصحافيين، في وقت تتهم شركة ميتا، وهي الشركة المالكة لمنصة التراسل الشهيرة، بتضييق الخناق على الفلسطينيين منذ اليوم الأول للعدوان، سواء من خلال حجب الصفحات والحسابات المناصرة لفلسطين عبر منصتَي "فيسبوك" و"إنستغرام"، أو من خلال توسيع ممارسة "حجب الظل"، وهي الممارسة التي تقوم على إخفاء الحسابات المناصرة لغزة وللفلسطينيين، من دون إبلاغ أصحابها بذلك، وهو ما يجعل التفاعل معها قليلاً جداً وغير ظاهر.

وتسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 139 يوماً باستشهاد نحو 29.5 ألف فلسطيني، من بينهم أكثر من 130 صحافياً، وفقدان الآلاف تحت الركام، وإصابة نحو 70 ألفاً بجراح مُختلفة، علاوة على التهجير القسري لنحو 2 مليون فلسطيني، في ظروف تفتقد لأدنى المقومات الإنسانية، والمعيشية، والصحية.