[ مليشيات الحوثي - أرشيفية ]
ربما صار أغلبية اليمنيين ليسوا بحاجة إلى تفسير ما يجري في العاصمة صنعاء، التي ترزح تحت حكم المليشيا الانقلابية، منذ سبتمبر 2014 حين أسقطتها بذريعة الجرعة السعرية.
كان شعار الحوثيين إسقاط الجرعة مناسبا لهم للحصول على تعاطف شعبي، ولكن اليوم تكشفت حقيقتهم لدى الشعب، من خلال سلوكهم وتصرفاتهم، في المستشفى، والمدرسة، والوزارة، والحديقة، والسوق، ومحطة الغاز، ومحطة البترول، وغيرها من القطاعات التي يتردد عليها اليمنيون في كل لحظة.
"الموقع بوست" حمل سؤالا وطرحه بطريقة عفوية على بعض الموطنين، والمعنيين والمطلعين على سير ومجريات الأمور "ما الذي أحدثه الحوثيون منذ سيطرتهم على مفاصل ومؤسسات الدولة"؟
المستشفيات الحكومية حكرا لهم
في المستشفيات الحكومية، فرض الحوثيون وجودهم ضمن خطة السيطرة على الدولة ومؤسستها ومواردها، فحولوا المستشفيات الحكومية إلى مؤسسات خاصة لهم ولعلاج أنصارهم.
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية تم تحويلها إلى مؤسسات لنهب الموارد المالية، وكل ما يمكن اعتباره حق من حقوق المواطن البسيط، والتي كفلها له القانون، وهو ما يؤكده عاملون ومرضى.
تقول الطبيبة "هـ. ق. ح" في مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر المستشفيات الحكومية "لم يعد هناك أي خدمة يقدمها المستشفى للمريض، فقد غابت كل المستلزمات الطبية من (شرنقات) إلى حبوب المهدئات، إلى كمادات الأوكسجين، إلى أصغر خدمة".
لماذا؟ ما السبب؟ تجيب الطبيبة "إدارة المستشفى تابعة لمليشيات الحوثي، وهذه الإدارة سيطرت على الموارد، وغيبت العلاجات والخدمة".
وكشفت هذه الطبيبة بأن العلاج المتوفر نسبيا، والخدمة المتبقية تقدم للمحسوبين على أنصار المليشيا.
تقول بأسف "إذا كان المريض من أفراد المليشيا، فسرعان ما يحصل على كل الفحوصات اللازمة، وتجرى له عمليات، ويصرف له العلاج مجانا، بينما المواطن البسيط لا يحصل على شيء".
وتضيف الطبيبة "هناك مندوب من قبل الحوثيين في كل قسم من أقسام المستشفى، وهو من يقوم بهذه المهمة، ومتابعة وفرض كل شيء بالقوة، ووفق خطة اعتمدوها، فبمجرد أن يأتي المريض ومعه بطاقة أنه من الحوثيين، أو خطاب من قيادي حوثي، يحصل على جميع الخدمات مجانا".
وتواصل "هناك مصابون وجرحى من الجبهات يتم إيصالهم إلى المستشفى، ويتم معالجتهم، ومنحهم الأسرة والغرف، في حين يكون هناك حالات طارئة لا يتم الالتفات إليها"، كما تقول الطبيبة، التي تتحفظ على هويتها، خشية تعرضها للملاحقة من قبل الحوثيين.
إذا ما سألت أي مواطن عادي مرافق لمريض، أو سألت المريض نفسه عن الواقع، وعن موقفه، سيحدثك بنبرة غضب وألم "سرق ولصوص".
في المؤسسات الحكومية
وأنت تستطلع آراء الناس، لن تقرأ على وجوهم ملامح التعب فقط، بل ستقرأ على وجوههم ملامح الغضب من الجماعات التي سيطرت على كل خدمات وفرص الشعب، وحولت كل مؤسسات الدولة إلى مصادر استرزاق، وحاصرت المواطن البسيط.
في مؤسسات الدولة، وفي الوزارات تحديدا، فالمدير والنائب والوكيل والحارس، وحتى أصغر وظيفة تم استبدالها بأشخاص محسوبين على المليشيات، ما عدا المناكفات والمشاجرات والتهديد، فتقاسمتها المليشيا مع أنصار حزب المخلوع صالح.
كل هذه الإجراءات، وما إلى ذلك من تصرفات وممارسات، جعلت اليمنيين في كل مكان يعرفون مليشيا الحوثي، ومشروعها، وأين هو المواطن البسيط والعادي في أذهانها؟ بل أين هو اليمن؟ وإلى أين يتجه في ظل حكمها؟
محطات النفط والغاز جرعات يومية
ستشعر بألم شديد وقهر كبير إذا ما وقفت بجوار محطة الغاز أو النفط لدقائق معدودة فقط، ليس بسبب أن أسطوانة الغاز يتم بيعها بأسعار مضاعفة، ويتم رفع سعرها بين ساعة وأخرى ومتى ما أراد الحوثيون، بل ستشعر بالقهر وأنت تلاحظ مواطنون بسطاء يقومون بتعبئة أسطواناتهم بـ5 كيلو غاز بدلا من 20 كيلو.
فالكثير من الناس صاروا غير قادرين على تعبئة أسطوانة الغاز بـ4 آلاف ريال، في حين كانوا في السابق يقومون بتعبئتها بمبلغ أقل، وفي ظل استقرار الأوضاع المعيشية، ووجود الدولة.
"هذه هي الجرعة التي أسقطها الحوثي"، هكذا قال المواطن محمد فرحان في حديثه مع "الموقع بوست" والذي تابع بالقول "صرنا نتجرع الجرعات بين اليوم والليلة، لو عاده كان معنا جرعة واحدة، الآن جرعة كل يوم وليلة، أنام وأسطوانة الغاز بثلاثة ألف، وأصحى الصباح وهي بـ4 ألف بـ5 ألف وهكذا، طيب ما السبب يا جماعة يقول لك صاحب المحطة اسأل الحوثيين مو تسألنا أنا".
الأمر ذاته ستلاحظه عند محطات البترول، حيث الأسعار ترتفع بين يوم وآخر، وبين أسبوع وآخر، بل بين ساعة وأخرى.
إذا ما وقفت بجوار محطة بترول للحظات، وفي يوم ارتفاع أسعار المشتقات ستسمع مواطنا يقول لك معلقا على ارتفاع سعر البترول "نهاية شهر يجمعوا رواتب أصحابهم".
حالة تذمر واستياء شعبي واسع تكبر في قلوب اليمنيين وبصمت، لم يعد أي يمني يسكن في العاصمة صنعاء يشعر بحالة رضا، أو يشعر بأن من يفرض سيطرته عليها على حق فيما يرفعه من شعارات، فالجميع صار يعرف تماما حقيقة وطبيعة ما يدور.
في الجامعة الراتب مع المليشيا
في الجامعة حالة استياء وتذمر واسعين، وهو ما ستجده حاضرا، إلى جانب مليشيات بملابس مدنية، تترقب حركات ومرور الناس بشكل مقلق، ومثير للاشمئزاز. أما تعليم ورئاسة جامعة وأساتذة، فلا وجود له إلا شكلا فقط، وبلا مضمون.
عندما تقف بالجامعة ستشعر بالألم، والقهر الكبير، يقول أحد الطلاب الذين التقيناهم إن "كثيرا من دكاترة الجامعة لجؤوا لعمل كشوفات في نهاية المحاضرة، أو في نهاية اليوم لجمع بدل مواصلات من الطلاب بمقدار 100 ريال من كل طالب".
هنا ستشعر بسحابة حزن كثيف، وأنت تتحدث مع الطلاب الذين يشرحون لك وضع الدكاترة والأساتذة الذين يتحدثون معهم عن وضعهم، وكيف يقطعون مسافات طويلة للمجيء للجامعة، بل كيف أن دكتورا باع أثاث بيته ليعيش، وآخر باع سيارته، وثالث يأكل وجبة واحدة مع أطفاله في صمت مؤلم.
الطالبة في كلية التربية هداية سعيد، حكت لـ"الموقع بوست" بعض التذمر الذي يردد من قبل الأساتذة في قاعات المحاضرات، والجميع يوجه اللوم لجماعة الحوثي بنهب رواتبهم وبإدخال البلاد في هذه الحرب وهذا الواقع الأليم.
تقول هداية "وصل الأمر إلى أن دكتورا يسأل أحد الطلاب، وكان منشغلا بهاتفه الجوال أثناء المحاضرة، عن أسباب انشغاله بالهاتف، فرد الطالب بالقول: أشوف فيديو للمجاهدين من أنصار الله في الجبهات"، فغضب الدكتور، وطرده من القاعة، بعدما كال له وللحوثيين اللعنات.
وتشير هداية إلى أن الدكتور الذي ظهرت عليه ملامح الغضب الشديد بدا فاقدا أعصابه، وخاطب الطلاب بالقول "أيش من أنصار الله؟ أنا نمت أنا وأولادي بدون عشاء، وجئت إلى الجامعة مشيا على الأقدام".
كل ذلك يحصل، ناهيك عن الموارد التي يتم أخذها من الطلاب، والذهاب بها إلى جيوب المليشيا، فلا راتب يدفع للأكاديميين، ولا خدمة تعليمية تقدم للطالب.
إلى جانب ذلك، وحسب الطالب أسامة فرحان، فخلال العامين الماضيين استحوذت المليشيات على المقاعد الدراسية في كليات الطب والهندسة، وتعمدت أن تكون من نصيب أنصارها، ومن يعملون معها، في حين حرم الطالب المستحق من الالتحاق بتلك الكليات، ومن المنافسة في دخولها.