[ قلي البن عادة رمضانية سنوية في حضرموت ]
تتنوع العادات والتقاليد بحضرموت (شرقي اليمن) خلال الأيام الأخيرة لشهر شعبان، والتي غالبا ما تشهد ازدحاما في الشوارع والأسواق، نتيجة تدفق القاطنين بالأرياف إلى المدن الرئيسية لأخذ احتياجاتهم وأغراضهم التي يحتاجونها خلال شهر رمضان الفضيل.
وتتوزع تلك العادات ما بين تقاليد متوارثة اندثر بعضها، وعادات سنوية ظل الناس يتعاملون بها، أما نوعيتها، فتتنوع بين الأكل والشراب، وطقوس صلة الرحم، وتعزيز التواصل بين أبناء المجتمع الواحد، كما تعد جزءا من الاستعداد للصيام في شهر رمضان.
الشربة
يتدافع المواطنون في وادي حضرموت على محلات طحن الحبوب "الطواحين" لطحن حبوب القمح إلى حبيبات صغيرة تستخدم في شربة شهر رمضان.
وتشتهر شربة شهر رمضان بخلط حبيبات القمح المطحونة مع اللحم على النار، وتقديمها مع الإفطار، أو جعلها وجبة ثانوية بعد صلاة التراويح.
وتختلف طريقة تقديمها من منطقة لأخرى، فمنهم من يقدمها صافية، وبعضهم يضيف إليها الليمون الحامض.
نقش الحناء
تستقبل النساء شهر رمضان بنقش الحناء على الأيدي والأقدام، تعبيرا عن الفرحة في استقبال الشهر الفضيل.
ويتعارف الحضارم بنقش الحناء في استقبال الأعياد، وعودة الزوج من السفر، والأعراس وعودة المرأة لزوجها بعد انقضاء فترة النفاس "فترة ما بعد الولادة".
و تزرع أشجار الحناء بوادي حضرموت، والذي يشتهر بجودته المنافسة للمنتج الخارجي، من حيث بروز لونه عند نقشه وسهولة استخدامه.
كما تمتهن نسوة متخصصات مهنة نقش الحناء مقابل أجر يصل ما بين أربعة آلاف إلى سبعة آلاف ريال، ويتضاعف السعر بحسب المناسبة، وخصوصا الاعراس و الخبرة القديمة لمن تقوم بهذه المهمة، ويطلق عليها "المحنية"، وغالبا ما يتطلب من المرأة جهدا مضاعفا في حجز "المحنية " تمتد إلى قبل الموعد بشهر أو أسبوع.
قلي البن
يطلق الحضارمة على القهوة التي تقدم في إفطار شهر رمضان باسم " الشريخ " أي القهوة الغير محلاة بالسكر، ويتوارث الحضارم أوعية قلي البن "محماس" مصنوع من الفخار يتم وضعه على الجمر بعد وضع البن عليه.
ويتحلق أفراد العائلة مع ولي أمرهم أو ربة الأسرة لمشاهدة طريقة قلي البن عند إعداده، وهي عادة تتكرر قبيل استقبال شهر رمضان من كل عام، حيث تعد القهوة أحد مستلزمات الإفطار.
ويقول الشاب أحمد الذي يعمل بمهنة قلي البن إن الزبائن يختلفون في طلبات قلي البن بحسب اللون، الذي يتدرج من اللون الفاتح إلى اللون الغامق، وعادة ما يستخدم في صناعة القهوة المحلاة والفاتح " للشريخ ".
ويضيف أحمد الذي كان يعمل في قلي الزعقة "الحنظل" وهي مهنة تشتهر بها بيوت محددة بحضرموت ثم تحول إلى العمل في قلي البن إن الأيام الأخيرة لشهر شعبان تشهد ازدحاما في وصول الطلبات إليه لقلي البن من قبل سكان المنطقة، بل إن بعض طلبات قلي البن تأتي إليه من مناطق بعيدة كساحل حضرموت.
وأشار أحمد في سياق حديثه لـ"الموقع بوست" إلى أن عملية القلي مهنة شاقة ومضنية، كون العاملين فيها يتعرضون لدرجة عالية من الحرارة والأدخنة المتصاعدة.
ويترك البن على إناء نحاسي كبير تشعل تحته النار بالغاز أو الديزل لفترة محدودة جدا، ثم يؤخذ في منخل لتصفيته من الشوائب، ثم يترك لبعض الوقت في الهواء الطلق، وتعقب عملية القلي طحن البن في طواحين مخصصة لذلك، ولاحقا يأخذ الناس طلباتهم من أماكن القلي.
تزيين واجهات المنازل
إلى جانب تزين النساء بنقش الحناء يزين الحضارم المساجد وواجهات البيوت برش (النورة)، وهي مياه بيضاء تطلى بها الجدران، والقيام بتهذيب واجهة المنزل الأرضية بعملية يطلق عليها "محضة التكة " ثم تأتي طريقة فرش الطين المخلوط بمادة التبل، وهي أعواد صغيرة من مخلفات حصاد القمح، ويتم وضعها على الأرضية الملتصقة بواجهة البيوت.
وهذه العادة كانت تقوم بها النساء المتقدمات في السن، أما الآن فيقوم بها الشباب.
ذبح الأغنام
ومن العادات التي يمارسها الناس في حضرموت هي ذبح الشياه، كالأغنام، والتي تذبح بداية العام، ويستفاد من لحمها طوال شهر رمضان.
لكن هذه العادة بدأت بالاختفاء خلال الأعوام الأخيرة بسبب العديد من العوامل، منها انقطاع التيار الكهربائي المتكرر حيث يتم حفظ لحم الذبيحة كاملا بعد توزيعه في أكياس بلاستيكية بالثلاجة، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواشي، والتي وصلت خلال العام الجاري إلى قرابة 60 ألف ريال يمني للماشية الواحدة.
وتتميز هذه العادة باستبعاد جزء من اللحم لإفطار العائلة خلال شهر رمضان الكريم كجانب من صلة الرحم، حيث يتم دعوة بنات صاحب المنزل مع أزواجهن وأبنائهن إلى جانب الأبناء لحضور إفطار عائلي كجزء من تقليد سنوي، وعادة اجتماعية متوارثة.