حكومة هشة بلا سلطة.. مركز أبحاث أمريكي يسلط الضوء على الجماعات المسلحة وانتهاكاتها في اليمن (ترجمة خاصة)
- ترجمة خاصة الأحد, 21 مايو, 2023 - 12:16 مساءً
حكومة هشة بلا سلطة.. مركز أبحاث أمريكي يسلط الضوء على الجماعات المسلحة وانتهاكاتها في اليمن (ترجمة خاصة)

سلط مركز أبحاث أمريكي الضوء على الجماعات المسلحة في اليمن والتي تمارس الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتعذيب والاستيلاء على الأراضي والابتزاز والاغتصاب بحق المدنيين الأبرياء.

 

وقال مركز القرن الأمريكي "The Century Foundation" في تقرير أعدته الباحثة اليمنية ندوى الدوسري وترجمه للعربية "الموقع بوست" إن خلال قرابة العقد من الحرب الأهلية الطاحنة في اليمن، انتشرت الجماعات المسلحة غير الحكومية والجهات الفاعلة الهجينة على جميع أطراف الصراع.

 

وأضافت الدوسري في تقرير طويل "لقد ارتكب أعضاء في بعض الجماعات المسلحة انتهاكات ضد المدنيين، شملت الاعتقالات التعسفية، الإخفاء القسري، التعذيب، اغتصاب الأراضي، الابتزاز، والعنف القائم على النوع الاجتماعي".

 

وقالت "مع تشظي الحرب في اليمن، قد يبدو فرملة هذه الانتهاكات كمهمة مستحيلة- بحيث لا توجد قيادة مركزية، ويمكن أن تكون هذه الجماعات غير متوقعة".

 

وتابعت "تبدو هياكل قيادتهم الخاصة متغيرة بشكل كبير، وغالبا لا تستجيب لجهود السلام التقليدية، التي تركز على الدولة. لكن الأبحاث تظهر أن المانحين الدوليين وغيرهم تمكنوا من التأثير على سلوك الميليشيات إلى الأحسن. على وجه الخصوص، يمكن لتلك الجهات المانحة والداعمين العسكريين الدوليين تحجيم انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الجماعات المسلحة التي تعتمد على الدعم الأجنبي الدولي".

 

وتضيف الدوسري: هذا التقرير يستند إلى عشرات المقابلات في اليمن ويجادل بأنه حتى في المشهد الأمني ​​المنقسم في البلاد، هناك مجموعة مختلفة من آليات المساءلة الرسمية وغير الرسمية- مثل مناصرة المجتمع المدني، الوساطة القبلية، ووسائل التواصل الاجتماعي- التي نجحت، ويمكن أن تقدم أكثر. فضلا عن ذلك، هناك فرص للجهات الفاعلة دوليا لتقوية أفضل هذه الآليات على نحو مباشر.

 

وركز التقرير فقط على الجماعات المسلحة في المناطق التي تمكن كاتب هذا من إجراء البحوث بأمان- بعبارة أخرى، تلك المجموعات التابعة لمجلس القيادة الرئاسي اليمني، الذي يقود حكومة البلاد المعترف بها دوليا، حيث لا يتضمن التقرير بحثا عن الحوثيين.

 

وأكدت أن هذه الفرص مهمة مع دخول النزاع اليمني مرحلة جديدة تلاشى فيها القتال مع وجود احتمالية لوقف دائم لإطلاق النار- وسيكون مهما أكثر من أي وقت مضى تشجيع إدارة أفضل وتقليل الانتهاكات من قبل الجماعات المسلحة التي تدير اليمن الآن على لحاف مجزأ.

 

"الموقع بوست" يعيد نشر أهم ما جاء في التقرير:

 

أهمية الحوافز

 

 

الظاهر أن جميع الجماعات المسلحة تستجيب للحوافز- حتى تلك الجماعات المستقلة عن الدولة أو الخاضعة لسيطرة الدولة الجزئية. خصوصا، تسعى هذه الجماعات إلى الحفاظ على سمعتها وشرعيتها، داخل اليمن وخارجيا، لأن تلك السمعة تساعدها في السيطرة على الأرض والحصول على الدعم الدولي. يمكن أن يكون هذا الدعم الدولي مباشرا كالدعم العسكري من الدول المستفيدة. كذلك يمكن أن يكون غير مباشر على هيئة مساعدات دولية مخصصة للمدنيين، والتي قد تعيد مجموعات الإغاثة توجيهها إذا علمت أن جماعة مسلحة ترتكب انتهاك ما.

 

لقد أدرك المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان في اليمن أن حاجة الجماعات المسلحة للحفاظ على سمعتها توفر فرصة لمحاسبتها. طوال السنوات الماضية، وثق هؤلاء المدافعون الانتهاكات ضد المدنيين، ورفع مستوى الوعي بحقوق المدنيين، والضغط على تلك الجماعات لمحاسبة أعضائها. وغالبًا ما ساعدت القبائل اليمنية المؤثرة في الضغط من أجل مزيد من المساءلة، ونفذت المنظمات الدولية برامج لتحسين التزام الجماعات المسلحة بالمعايير. لم تكن هذه الجهود تهدف إلى إنهاء الحرب، بل كان من المفترض على الأقل تخفيف معاناة سكان اليمن المحاصرين، وتحسين سلوك الجماعات المسلحة التي تسيطر على الأراضي والموارد.

 

ولكن في حين أن منطق هذه الجهود لتحسين سلوك الجماعات المسلحة واضح كفاية، فقد كان من الصعب أحيانا معرفة مقدار المساعدة التي قدمتها مثل هذه المبادرات فعليا. ولمعرفة ما إذا كانت هذه الجهود قد آتت أكلها، يجب أن يتجاوز البحث توثيق الانخفاض في الانتهاكات- والذي قد يكون بسبب عدد من العوامل- والتحقيق في كيفية عمل آليات المساءلة المتنوعة، وما إذا كانت هذه الآليات تستجيب للضغوط الخارجية.

 

ويفتح هذا التقرير أرضية جديدة في استيعاب مساءلة الجماعات المسلحة، من خلال تحليل التالي: مصادر مساءلة قطاع الأمن في اليمن؛ الآليات التي طورتها الجماعات المسلحة للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها أعضاؤها؛ وآليات المساءلة غير الرسمية والخارجية الأخرى التي قد تقلل من أنماط الأذى المدني. فضلا عن ذلك، يبحث هذا التقرير في المخاطر المرتبطة بكل آلية ويقترح طرقًا للتخفيف من هذه المخاطر.

 

ويختتم التقرير بتوصيات لتعزيز المساءلة، حتى مع استمرار الصراع الأوسع دون حل. ويستند البحث المقدم هنا إلى 73 مقابلة- مع أعضاء الجماعات المسلحة والمجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان (بما في ذلك المحامون والصحفيون) وموظفو المنظمات الدولية وقاض عسكري رفيع المستوى ومسؤولون حكوميون وسلطات محلية وسياسيون ومسؤولون عاديون ومواطنون. وأجريت المقابلات بين ديسمبر 2021 وفبراير 2023، وغطت القوات في تعز بالجنوب والساحل الغربي. (يستند العمل إلى رسم خرائط سابقة للجماعات المسلحة في اليمن نشرته شركة Century International في يوليو 2021).

 

كما شارك من أجريت معهم المقابلات بشرط عدم الكشف عن هويتهم، نظرا نقص الوصول والمخاطر المحتملة، لم يتم إجراء مقابلات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحو_ثيين في شمال البلاد. لذلك، يركز هذا التقرير على المناطق التي تخضع لسيطرة مجلس القيادة الرئاسي.

                                                                                                    

ويُظهر هذا البحث الشامل، باختصار، أنه على الرغم من أن آليات المساءلة ليست جميعها فعالة بنفس القدر، فإن الجهود المبذولة لتحسين ممارسات الحقوق بين الجماعات المسلحة غير الحكومية والجهات الفاعلة المختلطة تنجح. تريد هذه المجموعات إرضاء المجتمع الدولي، وهي على استعداد لإجراء بعض التغييرات على الأقل حتى يتم اعتمادها على أنها غير مسيئة. ستشمل أفضل الجهود لتحسين المساءلة العمل مباشرة مع الجهات المسلحة لمساعدتهم على فهم وقبول واتخاذ خطوات لتحسين ملاحظتهم للقوانين اليمنية والدولية المتعلقة بوظائفهم؛ ودعم وبناء قدرات المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان المشاركة في محاسبة الجماعات المسلحة.

 

وعلى نطاق أوسع، تشير نتائج التقرير إلى أن هذا النوع من التعامل مع الجماعات المسلحة سيكون ضروريا لتحقيق السلام في اليمن في النهاية. فبعد مرور عام على توقيع الحو_ثيين والحكومة اليمنية على وقف إطلاق النار، بات من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن الجماعات المسلحة الأخرى ستكون سمة طويلة الأمد للحكم اليمني. إن تعزيز آليات المساءلة داخل الجماعات المسلحة وتحسين قدرة المجتمعات على التعامل مع الجهات الفاعلة منها سيزيد من وعي الجماعات المسلحة وحساسيتها بشأن حماية المدنيين، ويحد من سلوكياتهم العدائية. وبالتالي، فإن مثل هذه الإجراءات ضرورية لدعم السلام على المدى الطويل في اليمن.

 

انتهاكات الجماعات المسلحة

 

تعمل العشرات من الجماعات المسلحة غير الحكومية والجهات الفاعلة المختلطة في اليمن خارج سيطرة الحكومة اليمنية- حتى تلك المتحالفة بشكل وثيق مع الحكومة. حتى مديريات الأمن التابعة لوزارة الداخلية (فروع الوزارة على مستوى المحافظات) والعديد من الوحدات العسكرية تعمل مع القليل من الدعم والإشراف من الحكومة المركزية المجزأة والتي تعاني من نقص التمويل وتم دمج العديد من أعضاء الجماعات المسلحة المتحالفة مع الحكومة في القوات العسكرية والأمنية بعد بدء الحرب، وبالتالي فهم من الناحية الفنية تحت قيادة الحكومة اليمنية. ومع ذلك، فهم في الواقع يعملون خارج هياكل الدولة- بل ويتنافسون مع الدولة بطرق مهمة.

 

ويفتقر الأعضاء إلى التدريب والفهم للقوانين اليمنية وقواعد الاشتباك الدولية. كما استفادت بعض هذه الجماعات المسلحة من اقتصاد حرب مزدهر.

 

عندما ترتكب هذه المجموعات انتهاكات، فإن هيكل القيادة والسيطرة الضعيف لديها يجعل من الصعب محاسبة الأعضاء. إن المؤسسات الأمنية الرسمية ضعيفة التمويل، وبالتالي فهي ليست مجهزة تجهيزا جيدا لمعالجة هذه الثغرات.

 

 إن التدخل السياسي وضعف نظام العدالة يحرم المدنيين من الآليات الرئيسية للشكوى وتحقيق العدالة. في حال تُركت هذه الجماعات المسلحة بدون إشراف، فقد أصبحت أحيانًا مفترسة، وقد تتطور إلى خطر أمني كبير.

 

إن الغرض من هذا التقرير ليس توثيق كل أنواع انتهاكات حقوق الإنسان التي تم الإبلاغ عنها في أماكن أخرى. ومع ذلك، فمن المفيد مراجعة فئات انتهاكات حقوق الإنسان وتواترها في اليمن.

 

  • الاخفاء القسري والاحتجاز التعسفي، حيث يشكل الاختفاء القسري والتعذيب حوالي 46 بالمائة من الانتهاكات في اليمن. وغالبًا ما يتم اختطاف الضحايا من منازلهم أو أماكن عملهم أو عند نقاط التفتيش. وغالبًا ما يختفون، ويُحرمون من الإجراءات القانونية الواجبة، ولا يُسمح لهم بالاتصال بأسرهم.

 

 

  • الاستيلاء على الأراضي. إن الجهات الفاعلة المسلحة أو الأفراد الذين تحميهم يستولون على الأرض ويبدأون في بناء المنازل أو البنية التحتية. ويمكنهم أيضا الاستيلاء على الأراضي الإستراتيجية على طول الطرق. وفي بعض الحالات، تصادر الجماعات المسلحة أراضٍ لبيعها، مما يزيد من تفاقم مشكلة النزاعات على الأراضي. وفي تعز، استولى أعضاء الجماعات المسلحة على منازل المدنيين النازحين، وخاصة أولئك القريبين من خطوط المواجهة.

 

 

  • سوء المعاملة والابتزاز عند نقاط التفتيش. حيث يتعرض المدنيون للانتهاكات عند نقاط التفتيش التي تربط المحافظات أو المناطق التي تسيطر عليها الجهات المتنافسة. وقال أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في تعز: "في بعض الأحيان يطلبون هويتك، وإذا لم تعجبهم الطريقة التي تنظر بها، فسوف يخطفونك ويرمونك في السجن، هكذا". إن ابتزاز المدنيين عند نقاط التفتيش أمر متفشي، كابتزاز شاحنات البضائع. ويمكن أيضًا إرسال سائقي الشاحنات إلى السجن بشكل تعسفي. وقال أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في عدن: "سجن بئر علي [في عدن] مليء بسائقي الشاحنات المتهمين بأنهم من الحوثيين".

 

 

  • العنف القائم على النوع الاجتماعي. إن النساء معرضات بشكل خاص للعنف الذي ترتكبه الجماعات المسلحة، وغالبا ما يمر الاغتصاب والاعتداء الجنسي دون عقاب، أو يتم إلقاء اللوم على الضحايا. في إحدى الحوادث التي وقعت في عدن العام الماضي، قام عضو في جماعة مسلحة بتخدير واغتصاب فتاة تبلغ من العمر سبعة عشر عامًا. وبدلاً من ملاحقة مهاجمها، سجنت الشرطة المحلية الفتاة واتهمتها بالدعارة. وتخلى عنها والدها وطالب "بترك الفتاة السيئة في السجن لمعاقبتهم على خطاياها". ويعتمد الممثلون السيئون على ديناميكية إلقاء اللوم على الضحية لارتكاب انتهاكات أخرى، مثل ابتزاز النساء بالصور ومقاطع الفيديو التي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني- جزء من شبكة ابتزاز تصل إلى سلسلة القيادة.

 

 

  • التجاوزات بحق منتسبي القوات. إن أفراد القوات المسلحة أنفسهم عرضة لسوء المعاملة من قبل رؤسائهم، بمن فيهم كبار القادة، حيث لا توجد آليات للأعضاء لتقديم الشكاوى أو لضمان الحماية. وتشمل حالات الانتهاكات التخفيضات التعسفية للرواتب، الاعتداء الجسدي، الاحتجاز التعسفي، التعذيب، وحتى الإعدام. وقالت ضابطة تعمل في قوة أمنية في عدن: "إذا سألت عن سبب خفض راتبك، فإنهم يقولون لك إن هذا قرار القائد وأنه حر في فعل ما يشاء". ويرتكب كبار القادة انتهاكات ضد مرؤوسيه مع الإفلات من العقاب. فعلى سبيل المثال، في أبريل 2021، اعتدى حراس محسن الوالي، قائد كتائب الدعم والإسناد، جسديًا على أحد حراس المطار الذي أخبر القائد أنه لا يمكنه دخول المطار مسلحا. وفي يونيو 2021، توفي ياسر عليان، من كتائب العمالقة السابعة بحييس بالساحل الغربي، اختناقا بعد أن عذبه رؤساؤه في الألوية ووضعوه في وعاء معدني تحت أشعة الشمس في درجات حرارة تصل إلى خمسين درجة مئوية.

 

العجز في التدريب والخبرة والتمويل

 

هناك مجموعة متنوعة من الأسباب لتفشي الانتهاكات في اليمن، ومن المهم بمكان استيعاب هذه الأسباب عند محاولة التخفيف من الانتهاكات. أحد أهم الأسباب هو نقص الخبرة والتدريب بين القوات غير النظامية- بما في ذلك بين كبار القادة.

 

فعندما تصاعدت حرب اليمن في عام 2015، انهارت القوات الأمنية والعسكرية في جميع أنحاء البلاد. كان معظم أعضاء الجماعات المسلحة من المدنيين قبل تجنيدهم في هذه القوات، ولم يتلقوا التدريب اللازم لفهم أدوارهم ومسؤولياتهم، ناهيك عن المفاهيم عالية المستوى مثل القانون الدولي الإنساني.

 

لقد اعتاد العديد من الضباط والجنود الحاليين أن يكونوا معلمين وعاملين في مجال الصحة وأصحاب دكاكين وفنيي سيارات، وبعضهم حتى أميين. وقال مسؤول أمني في عدن: "إنهم لا يعرفون كيف يؤدون واجباتهم، ولا يعرفون القانون، ولا يعرفون كيفية التواصل والتعامل مع المدنيين". وفي المناطق التي تعرض فيها عناصر الأمن للهجمات والاغتيالات، فإنهم يميلون إلى التوتر وقد يطلقون النار على سيارة تقترب للاشتباه في أنها تخص أحد المهاجمين.

 

وقال متخصصو الحماية المدنية ومنظمات المجتمع المدني المحلية إن التدريب يمكن أن يحدث فرقًا في مواقف وسلوك الجهات المسلحة. لن يساعدهم التدريب على فهم واجباتهم وحقوق المدنيين فحسب، بل يمكنه أيضا بناء الثقة بين الجهات الأمنية والمجتمعات المحلية، وكذا بين الجهات الأمنية المتنافسة. ووصف عضو بارز في اللجنة الوطنية للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان جلسة تدريبية لمديري الشرطة؛ كان المتدربون في البداية في موقف دفاعي بشأن التدريب، ولكن بحلول اليوم الثاني كانوا يناقشون مشكلة الانتهاكات. وكان لمركز المدنيين في النزاع (حيث كان المؤلف مديرا لدولة اليمن من 2018 إلى 2019) تجربة مماثلة عندما قدم الجهات الأمنية من تعز إلى عدن للمشاركة في دورة تدريبية. واعترض السكان المحليون في البداية على مشاركة "الشماليين" في تعز، لكن "بعد بضع ساعات من التدريب، أصبحوا كأصدقاء يمزحون ويضايقون بعضهم البعض".

 

وقد حدد جميع المسؤولين الأمنيين ومعظم الفاعلين في المجتمع المدني الذين تمت مقابلتهم نقص الرواتب كواحدة من المشاكل الرئيسية التي تسهم في الانتهاكات وغيرها من الأنشطة غير القانونية من قبل أفراد القوات، حيث تظل الرواتب غير مدفوعة لفترات طويلة من الزمن. فعلى سبيل المثال، في فبراير 2022، تلقى أفراد قوات الأمن في عدن أخيرا الراتب المستحق عليهم عن أبريل 2021 (وما زالوا ينتظرون رواتب الأشهر العشرة القادمة). "كيف تتوقع منهم القيام بعملهم وعدم اللجوء إلى طرق غير قانونية لكسب الرزق؟" يقول نائب مدير الأمن في عدن. "لا يمكنك تدريبهم على القوانين والأخلاق عندما يكونون يتضورون جوعا"، قال مدير أمن شبوة.

 

وتعاني مديريات الأمن من نقص حاد في الأموال التشغيلية. ففي المتوسط​​، تتلقى كل مديرية أمنية أقل من 13 مليون ريال شهريًا (حوالي 11 ألف دولار)، وهي مخصصة لتغطية التكاليف التشغيلية لقوة الشرطة، بما في ذلك سبعة وعشرون مركزًا للشرطة داخل مدينة عدن، حيث يعمل حوالي 20 ألف عنصر. وحتى في ذلك الوقت، غالبًا ما يكون التمويل غائبًا تمامًا لفترات طويلة من الزمن. لا تستطيع الشرطة تحمل تكلفة المركبات والغاز والأدوات الأساسية لمساعدتها على الرد على الجرائم، ناهيك عن محاسبة أعضائها.

 

لا سلطة، لا عدالة 

 

باستثناء تعز ومأرب، تعمل القوات في الجنوب والساحل الغربي بالكامل خارج هيكل القيادة والسيطرة للحكومة اليمنية. كان هناك تقدم ضئيل في تنفيذ اتفاق الرياض لعام 2019 (الذي كان من المفترض أن يخلق المزيد من الوحدة بين الجماعات المختلفة التي تقاتل الحو_ثيين). وعلى الرغم من تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، لا يزال هناك انقسام عميق بين قوات الحكومة اليمنية وتلك التابعة (غالبًا بشكل فضفاض) للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإما_رات، ولكن ليس لديها هيكل قيادة ذي معنى يربطها بالمجلس الانتقالي الجنوبي. وعلى الرغم من أن القوات المحلية في تعز ومأرب متحالفة مع الحكومة اليمنية، فإن العديد من أفرادها ينتمون لخلفيات مدنية، ويعملون بأدنى حد من الإشراف من وزارة الداخلية ووزارة الدفاع.

 

وتتدخل هذه الجماعات المسلحة غير الخاضعة للمساءلة في الأساس في نظام العدالة الضعيف بالفعل في اليمن متى شاءت. ووصف قادة الأمن والمجتمع المدني هذا التدخل المتفشي بأنه عقبة رئيسية أمام محاسبة أعضاء الجماعات المسلحة على إلحاق الأذى بالمدنيين. لقد تم تسييس مؤسسات العدالة وتفتيتها وتخريبها من قبل أطراف النزاع منذ بدء الحرب في عام 2014. هناك مؤسستان قضائيتان متوازيتان، واحدة تخضع لسيطرة الحو_ثيين في الشمال، والأخرى تحت سيطرة الحكومة اليمنية في الجنوب. ودمرت البنية التحتية القضائية إلى حد كبير بسبب الغارات الجوية والاقتتال الداخلي. وواجه القضاة والمدعون العامون والمحامون اعتداءات عنيفة واعتداءات جسدية وترهيب ومحاولات اغتيال، حيث ظلت المحكمة العليا معطلة لسنوات.

 

وتعاني المحاكم من نقص كبير في القدرات من حيث المعدات والتدريب، ونقص حاد في الموظفين الإداريين وموظفي الدعم المهرة. لقد تآكلت قدرة القضاء بشكل أكبر خلال الحرب بسبب المحسوبية والفساد. وتتجاوز الشرطة بشكل روتيني سلطاتها للتأثير على مجرى القضايا، لا سيما في الحالات التي يكون فيها المدعى عليهم من الدولة أو كبار القادة العسكريين أو المسؤولين.

 

وقد أدى عدم وجود نظام عدالة فعال إلى إفساح المجال للانتهاكات المنهجية داخل القوات المسلحة، حيث قام العديد من القادة بتنفيذ العدالة بأيديهم من خلال إنشاء سجونهم غير القانونية ومعاقبة أفرادهم كما يحلو لهم. وقال صحفي محلي على الساحل الغربي "كل قائد يتصرف وكأنه الله".

 

 

في هذه البيئة التي يسودها الإفلات من العقاب والخلل الرسمي، أصبحت مجموعة متنوعة من آليات المساءلة الأقل معاييرًا حاسمة للحد من انتهاكات الجماعات المسلحة. وكما يوضح الكتالوج التالي لهذه الآليات، فإن بعضها فعال للغاية ويمكن الاستفادة منه بنجاح للتحكم في سلوك الجهات الفاعلة غير الحكومية والمختلطة.

 

آليات المساءلة داخليا

 

وقد دفعت مخاطر السمعة المحتملة والضغوط التي تمارسها جماعات حقوق الإنسان الدولية والمحلية قادة بعض الجماعات المسلحة إلى اتخاذ إجراءات للتصدي للانتهاكات التي يرتكبها أعضائها. كما تم تفعيل بعض الإجراءات بناء على القانون اليمني، في حين أن البعض الآخر وضع ترتيبات مؤقتة خاصة به للحد من الانتهاكات في غياب مؤسسات العدالة الرسمية.

 

مجالس التأديب

 

وزارة الداخلية اليمنية ممثلة بمديرية أمنية في كل محافظة. لكل مديرية أمن مجلس تأديبي لضباط وأفراد الشرطة 30 ويرأس المجلس مدير الأمن في المحافظة. وتضم أربعة أعضاء آخرين: مساعد شؤون الشرطة، رئيس الدائرة القانونية، رئيس قسم شؤون الضباط، ورئيس قسم شؤون الأعضاء. وتحال الشكاوى إلى المجلس بمرسوم من مدير الأمن بناء على طلب من رئيس العضو المتهم بارتكاب مخالفات أو عدم انضباط. ويمكن لمجالس التأديب إحالة القضايا إلى تحقيق جنائي في نظام العدالة المدنية عندما يرتكب أعضاؤها انتهاكات خارج الخدمة.

 

ففي شبوة، يجتمع المجلس التأديبي شهريا لاتخاذ قرارات في القضايا ثم يحيلها إلى مدير الأمن أو إلى دائرة الرقابة والتفتيش للموافقة عليها. ويفقد الأعضاء المتورطون في الانتهاكات الإجرامية حصانتهم ويُحالون إلى محاكم مدنية.

 

وفي عام 2022، اجتمع مجلس تأديب تعز 32 مرة واتخذ قرارات بشأن 34 حالة انتهاك من قبل عناصر الشرطة. وشملت العقوبات الحبس وتجريد الرتب ونقل المتهمين إلى مناصب أخرى تكون فيها سلطاتهم أقل. وفي عدن، اتخذ المجلس التأديبي قرارات بشأن 15 قضية في عام 2021، حيث شملت الإهمال، تجاوز السلطة، الاحتيال، واستخدام المنصب لتحقيق مكاسب شخصية.

 

القسم القانوني

 

إن الإدارة القانونية في وزارة الدفاع اليمنية وفروعها في مختلف الوحدات العسكرية تساعد في إبقاء القوات المسلحة تحت السيطرة، وهي تعمل رغم صعوبة إنفاذ ولايتها.

                                                                                                   

القسم هو المسؤول عن تأديب ومحاسبة العسكريين على الانتهاكات. لكل منطقة من المناطق العسكرية السبع وكل لواء عسكري وحدة الشؤون القانونية التي تخضع لإدارة الشؤون القانونية الوطنية.

 

وهناك هيئات مماثلة أنشأتها الجماعات المسلحة. فقد أنشأت القوات المشتركة، التي تسيطر على الساحل الغربي لليمن، قسما قانونيا خاصا بها في سبتمبر 2019، يديرها محامون كانوا ينتمون إلى الجيش قبل اندلاع الحرب. وتعالج الدائرة بشكل أساسي قضايا الانتهاكات التي تنطوي على عدم الانضباط التي ارتكبها أفراد من القوات المشتركة. ويمكن أن تشمل قرارات الدائرة القانونية التعليق بدون أجر، خفض الرواتب، السجن، وإصدار أوامر بتعويض المدنيين الذين تضرروا.

 

لا يوجد لدى القسم القانوني في القوات المشتركة آلية شكاوى، لكن غالبًا ما يتم إبلاغ الشرطة المحلية أو السلطة المحلية بحالات الانتهاك التي يرتكبها الأعضاء، والتي تحيلها بعد ذلك إلى قيادة القوات المشتركة، التي تحيلها بعد ذلك إلى الإدارة القانونية. ففي فبراير 2022 شكل قائد كتائب العمالقة أبو زرعة المحرمي لجنة برئاسة رئيس الدائرة القانونية لألوية العمالقة للتحقيق في الشكاوى بشأن السجون غير القانونية التي تديرها الكتائب، وتدخلاتها في القضايا المدنية وعمل المؤسسات القضائية والأمنية، وإشراك الأعضاء في الاستيلاء على الأراضي.

 

ويتعامل القسم القانوني في القوات المشتركة بشكل أساسي مع القضايا الناشئة بين أفراد القوات مثل الأفراد المتهمين بالخيانة أو التجسس لصالح الحو_ثيين أو ارتكاب انتهاكات ضد أعضاء آخرين.

 

كما تُحال القضايا المتعلقة بالمدنيين إلى نظام العدالة الرسمي كلما أمكن ذلك. الفرع المحلي للإدارة القانونية لوزارة الدفاع (المعروف باسم الوحدة القانونية) داخل محور تعز العسكري- الهيئة العسكرية الرسمية المسؤولة عن حماية تعز- يراجع الشكاوى التي يحيلها قائد المحور إلى الوحدة. ثم تحيل الوحدة القضايا إلى الشرطة أو المخابرات أو النيابة العسكرية أو النيابة العامة. كما يمكنها تشكيل لجنة للتحقيق أو كتابة مذكرة لطلب توضيح من الوحدة العسكرية التي ينتمي إليها العضو المتورط في الانتهاك.

لا يتم اتباع لوائح القسم القانوني دائمًا. وهناك أمثلة على القادة الأقوياء الذين يتعاملون مع القضايا بطريقة مخصصة، في حين ينبغي التعامل معها فعليًا من خلال الإدارة القانونية.

 

القضاء العسكري

 

إن القضاء العسكري ضروري لمعالجة وحل الانتهاكات التي يرتكبها أفراد الجيش اليمني، لكنها تحتاج إلى دعم وتقوية لكي تكون أكثر فعالية.

 

ففي القانون اليمني، القضاء العسكري هو الجهة المسؤولة عن التحقيق والملاحقة القضائية في الجرائم التي يرتكبها أفراد الجيش. وتتكون بشكل أساسي من سبع محاكم عسكرية، واحدة في كل قيادة عسكرية، ومحكمة استئناف، ودائرة عسكرية في المحكمة العليا.

 

لقد انهار نظام القضاء العسكري في عام 2015. ففي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية وغيرها من القوات المناهضة للحو_ثيين، أعيد إنشاء المحاكم العسكرية والمدعين العامين بين عامي 2018 و 2020. وقد نجح القضاء العسكري في الحفاظ على مستوى معقول من الاستقلال على الرغم من بيئة الاستقطاب السياسي التي تؤثر على القوات المسلحة. وهي تعمل كما يفترض بها، باستثناء مناطق الجنوب حيث ترتفع حدة التوتر بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي. لكن المحاكم العسكرية تتعامل في بعض الأحيان مع القضايا المحالة من قبل مختلف قوات الأمن، بما في ذلك القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي. وتشمل هذه القضايا جرائم خطيرة. وقال مسؤول أمني كبير في المجلس الانتقالي الجنوبي إن المجلس حاول إحياء القضاء العسكري في الجنوب.

 

ومع ذلك، فإن معظم القضايا تتولاها القوات نفسها وخارج نظام القضاء العسكري، في ظل انعدام تام للشفافية، بحسب قاضي عسكري في عدن. وقال: "لا نعرف كيف يتعاملون مع هذه الحالات".

 

كما هو الحال مع نظام العدالة المدنية، يواجه القضاء العسكري أيضًا تحديات كبيرة. وهي تعمل الآن بدون ميزانية تشغيلية لمدة ست سنوات، حيث لا يتم دفع رواتب القضاة بانتظام. وصدر مرسوم بتشكيل محكمة استئناف، لكنها لم تعمل بعد وليس لها مكاتب. ونتيجة لذلك، تتعطل الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية إذا طُلب استئناف ويُحتجز بعض المتهمين لمدة خمس أو ست سنوات دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وأحيانا في قضايا بسيطة جدا.

 

وقد أدى انعدام الأمن إلى ردع القضاة العسكريين عن أداء مهامهم. ففي خريف عام 2022 بدأ القاضي العسكري للقيادة العسكرية الرابعة الفصل في قضايا مدينة تعز والمخا والخوخة على الساحل الغربي. وبعد شهرين، علق الجيش خدمة الحماية التي كان يعرضها على القاضي، مما دفعه للمغادرة إلى عدن. وقال مصدر في محور تعز إن التعليق كان بسبب محدودية الموارد.

 

نظام العدالة المدنية

 

وعلى الرغم من تعرضه لأضرار بسبب التوتر السياسي وتدمير بنيته التحتية في الحرب، لا يزال نظام العدالة في اليمن قناة واحدة لتحقيق المساءلة.

 

وقال العديد من الفاعلين المسلحين إنهم أحالوا أعضاءهم الذين يرتكبون انتهاكات ذات طبيعة إجرامية إلى التحقيق الجنائي والملاحقة القضائية. وقال قائد قوة الحزام الأمني ​​في أبين، إنه في فبراير 2022، تجمهر عناصر من قواته عند بوابة القاعدة تحسبا لدفع رواتبهم عندما اندلع شجار وأطلق أحد الأعضاء النار على آخر وأصاب ثلاثة آخرين. فتم القبض على العضو وإحالته إلى محكمة جنائية مدنية، حيث حوكم هناك.

 

ومع ذلك، فقد أشار جميع الفاعلين المسلحين والمجتمع المدني الذين تمت مقابلتهم، إلى القيود الخطيرة في نظام العدالة. ولسد هذه الفجوة، اتخذت بعض القوات ترتيبات مؤقتة لتسهيل معالجة قضايا الانتهاكات. فعلى الساحل الغربي، حاولت القوات المشتركة إحياء نظام العدالة من خلال دفع الرواتب في قطاع العدالة.

 

وافتتحت قيادة حزام دلتا أبين الأمني​​، بالتنسيق الوثيق مع مديرية أمن أبين، مركزا للشرطة المدنية في كل منشأة من مرافقها، لتسهيل التحقيق ومعالجة حالات الانتهاك من خلال نظام العدالة.

 

الهيئة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان

 

في غياب نظام قضائي فعال، أصبحت اللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان آلية مهمة لتوثيق الانتهاكات وحماية المدنيين من الجهات المسلحة المارقة.

 

إن اللجنة هي آلية وطنية مسؤولة عن رصد والتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها أطراف النزاع. وقد أُنشئت بموجب مرسوم من الحكومة المركزية، لكن اللجنة تمكنت من الحفاظ على استقلاليتها، وأظهرت درجة عالية من المهنية، وحافظت على معايير عالية في تقاريرها ونهجها، وفقًا للخبراء. وأصدر فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن تقريرا في يناير 2022 أوصى بأن تدعم الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اللجنة لحماية إنجازاتها، بما في ذلك إنشاء هيئة خارجية للنسخ الاحتياطي الرقمي، ودعوة جميع الأطراف للتعاون معها.

 

وتضم اللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان تسعة أعضاء، أربعة منهم من النساء. وبعد إجراء التحقيقات، ترسل اللجنة أيضًا تحقيقات إلى الجهات المسلحة، بما في ذلك الحو_ثيين، حول حالات الانتهاكات التي يتورط فيها أعضاؤها. وللهيئة مراقبين محليين في كل محافظة، بما في ذلك الشمال، يوثقون حوادث انتهاكات حقوق الإنسان بشكل رئيسي من خلال إجراء مقابلات مع الضحايا. إنه يشرك الجهات الفاعلة المسلحة، بما في ذلك وزارة الداخلية والجيش اليمني والجهات الأمنية المختلطة العاملة في الجنوب وعلى الساحل الغربي.

 

وترسل اللجنة مذكرات التحقيق إلى قيادة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وتعقد اجتماعات مع الفريق المشترك لتقييم الحوادث، وهو هيئة أنشأها التحالف بقيادة السعودية في عام 2016 للتحقيق في الانتهاكات أثناء العمليات العسكرية. وتعمل بشكل وثيق مع مجموعات المجتمع المدني والجمعيات المهنية في الأنشطة، بما في ذلك التدريب على التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها.

 

وتنسق اللجنة بشكل وثيق مع المنظمات الدولية والمحلية الأخرى التي تركز على المساءلة. ويعقد أعضاء اللجنة اجتماعات منتظمة مع كبار المسؤولين من وزارتي الداخلية والدفاع والقضاء والسلطات المحلية وضباط الشرطة في اليمن. وبالإضافة إلى ذلك، يقوم الفريق بزيارات ميدانية منتظمة للسجون ومرافق الاحتجاز للتحقق والإبلاغ عن حالة السجناء واحترام حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة.

 

ومن خلال التعامل المباشر مع الجهات المسلحة، تمكنت اللجنة من معالجة الانتهاكات، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري. وفي فبراير  2022، قامت الهيئة بزيارة إلى سجن بير علي، وهو سجن سري في عدن، حيث احتُجز مئات المعتقلين وتعرضوا للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، بعد حادثة حاول فيها السجين الانتحار. وكشف التحقيق الذي أجراه فريق اللجنة أن الرجل الانتحاري وثمانية سجناء آخرين حُرموا من الإجراءات القانونية الواجبة خلال السنوات الأربع الماضية. ورفض القاضي السابق المكلف بمراجعة قضاياهم تسليم القضية لمن يحل محله أو معالجتها ما لم يتقاضى أجرًا. ومن خلال عدة اتصالات، تمكنت اللجنة من إحالة القضايا إلى القاضي الجديد.

 

آليات المساءلة غير الرسمية

 

من الواضح أنه على الرغم من أن آليات المساءلة الرسمية لا تزال ذات صلة، إلا أنها لم تحقق سوى نجاح متوسط ​​في وقف انتهاكات الجهات المسلحة. وفي سياق حرب أهلية مريرة ومتعددة الأبعاد، هذا ليس مفاجئًا. ما يوفر بعض أسباب التفاؤل هو أن آليات المساءلة غير الرسمية قد تمتعت ببعض النجاح- ويبدو أنها تتمتع بإمكانيات أكبر، إذا تمت رعايتها.

 

المجتمع المدني

 

لقد مارس الفاعلون في المجتمع المدني- بما في ذلك المحامون والوسطاء المحليون والمدافعون عن حقوق الإنسان- ضغوطا وإشراك الجهات الفاعلة المسلحة لمحاسبة أعضائها على الانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين. ويمكن ملاحظة ذلك على وجه الخصوص في تعز، حيث يتحدث ممثلو المجتمع المدني بصوت عالٍ على وسائل التواصل الاجتماعي وكان الفاعلون المسلحون، لا سيما شرطة تعز، متقبلين لمعالجة أنماط الانتهاكات ومساعدة المدنيين المستضعفين. كما ساعدت الجهود التي يبذلها المجتمع المدني ودعاة حقوق الإنسان في خلق وعي أكبر بحقوق المدنيين، سواء بين الجماعات المسلحة أو بين المدنيين.

 

وقال جميع من تمت مقابلتهم من تعز إنه حدث انخفاض ملحوظ في انتهاكات حقوق الإنسان في المدينة منذ عام 2019، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الدعوة المستمرة من قبل المجتمع المدني. وذكر مسؤول أمني كبير في تعز أن جماعات ونشطاء المجتمع المدني يساعدونهم في التعرف على سلوك أعضائهم ومعالجته. وأخبر كاتب هذا أن قوات الشرطة تعتبر دور المجتمع المدني بالغ الأهمية وتعتبره شكلاً من أشكال الرقابة المجتمعية.

 

وقد أدت الضغوط المستمرة من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في تعز إلى قيام المحافظ بتشكيل لجنة أمنية مشتركة من الشرطة والجيش لاستهداف المجرمين وأفراد القوات المسلحة المتورطين في الانتهاكات. وفي أغسطس 2020، أطلقت اللجنة حملة وتمكنت من سجن غزوان المخلافي، أحد أشهر المجرمين في المدينة. والمخلافي مجرم يبلغ من العمر 23 عامًا ارتكب انتهاكات جسيمة- بما في ذلك الابتزاز والاستيلاء على الأراضي والإعدام- مع الإفلات من العقاب بسبب الحماية التي يتمتع بها من كبار قادة الجيش في المدينة.

 

وفي عدن، نجح مجتمع مدني ناشئ نابض بالحياة بشكل متزايد في العمل مع الجهات المسلحة للتصدي للانتهاكات. بعض هذه الجماعات مؤيدة للانفصال وتتمتع بعلاقات جيدة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، مما ساعدها على الوصول إلى الجماعات المسلحة والثقة بها. وتمكنت مجموعات المجتمع المدني، من خلال إشراك الجهات المسلحة، من إطلاق سراح مئات المدنيين الذين اختفوا أو احتُجزوا بشكل تعسفي. ونجحت جمعية أمهات المختطفين التي تقودها النساء في التفاوض على إطلاق سراح ما يقرب من 1000 مدني مختطف من خلال الدعوة مع الشخصيات المؤثرة والجهات المسلحة. وتمكن بعض النشطاء من حل قضايا أكثر تعقيدا، مثل تأمين الإفراج عن السجناء السياسيين أو المدنيين الشماليين الذين احتُجزوا في عدن واتُهموا بلا أساس بأنهم من الحوثيين.

 

وفي عدن وتعز وأبين وشبوة، توثق منظمات المجتمع المدني انتهاكات حقوق الإنسان، وتشرك المجتمعات، وتنظم ورش عمل للجهات الفاعلة في مجال الأمن والعدالة بشأن حقوق الإنسان والقوانين اليمنية. وقال المدافعون عن حقوق الإنسان الذين تمكنوا من إقناع الجهات المسلحة بالتعامل مع حالات الانتهاك إنهم يستخدمون نهجا بنّاء يرفعون من خلاله القضايا من خلال القنوات الرسمية، مثل إرسال مذكرات إلى القادة أو رفع دعاوى قضائية، مع الاستفادة من علاقاتهم مع شخصيات مؤثرة مثل كقادة كبار أو قادة في المجلس الانتقالي الجنوبي لضمان فهمهم ودعمهم. وتحقيقا لهذه الغاية، يعمل المدافعون عن حقوق الإنسان كوسطاء يتنقلون بين مختلف الجهات الفاعلة للحصول على نتائج بطريقة تحقق العدالة للضحايا ولا تسبب أي ضرر.

 

ومع ذلك، بينما ينجح المدافعون في حل قضايا محددة تتعلق بالاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري، فإن جهودهم غالبا لا تؤدي إلى محاسبة أعضاء الفاعلين المسلحين المسؤولين عن الانتهاكات.

 

كما يفتقر المجتمع المدني ودعاة حقوق الإنسان إلى القدرات والمهارات اللازمة للتنظيم وإجراء التوثيق المناسب لانتهاكات حقوق الإنسان. وقال عضو في فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن: "لديهم الكثير من المعلومات، لكنهم لا يعرفون كيفية توثيق [الانتهاكات] بشكل صحيح حتى تكون مفيدة في المستقبل". وأضاف "كل منظمة غير حكومية لها منهجيتها الخاصة، ولكن ستكون هناك دائمًا معلومات مفقودة في الشهادات ومقاطع الفيديو والصور والتقارير الطبية وما إلى ذلك لإثبات حدوث الإساءة. وبعد خمسة عشر عامًا من الآن، عندما يسمح الوضع بذلك، لن يكون لديهم الأدلة اللازمة للعدالة الانتقالية".

 

كما أن مناصرة الجماعات المسلحة لتغيير سلوكها ينطوي على مخاطر كبيرة. وتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان ومنتقدو الانتهاكات أنفسهم للترهيب والتهديد والقتل المستهدف. فيما يُجبر البعض على النفي، بينما تُغلق منظمات أخرى قسريًا. وبينما لا يزال العديد منهم قادرًا على الاستمرار في توثيق وكشف حالات الاعتداء بمساعدة متطوعين محليين، يواجه عملهم تحديا بسبب نقص التمويل والموارد.

 

نظام القبيلة

 

إن لدى النظام القبلي اليمني معايير مساءلة وإجراءات قانونية فعالة ومتطورة. إنها الآلية الرئيسية للعدالة في المناطق القبلية، وبشكل متزايد في المناطق غير القبلية منذ عام 2011، حيث بدأت البلاد تعاني من عدم الاستقرار السياسي المتزايد. وأشار مدير الأمن في شبوة إلى أن ما يقرب من ثلث حالات الانتهاكات التي يرتكبها أفراد القوة يتم حلها من خلال الوساطة القبلية.

 

أولا، يقوم النظام القبلي على اعتذار واعتراف الجاني أو قبيلته بما يطمئن الضحايا. ثانيا: تحقيق العدالة مع التركيز على المصالحة. ويساعد هذا النهج في الحفاظ على النظام مع الحفاظ على الانسجام الاجتماعي عندما تكون آليات المساءلة الرسمية للدولة موضع شك أو غير فعالة، كما هو الحال في اليمن.

 

وقال قادة أمنيون في أبين وشبوة إنهم كثيرا ما يتبعون القواعد القبلية للتعامل مع الانتهاكات. ويذهبون شخصيا أو يرسلون ممثلين كبارا إلى الضحايا أو عائلاتهم، ويعترفون بمخالفة أعضائهم، ويعتذرون ويقدمون تعويضات، والتي تأتي عادةً في شكل تعويض مالي أو "دية".

 

ويقدم النظام القبلي الشكل الأكثر فعالية للمساءلة عندما تفتقر القوات إلى القيادة والسيطرة وعندما يكون للآليات الرسمية قيود كبيرة. ففي فبراير 2022، قام بعض أفراد قوة الحزام الأمني ​​في منطقة لودر بأبين باعتقال رجل سرق سيارة ودهس صاحبها، مما أدى إلى مقتله على الفور، وكان الجاني من قبيلة في مديرية نصاب في شبوة. ثم قام أفراد من وحدة الحزام الأمني ​​التي تعمل في المنطقة بتسليمه إلى أسرة الضحية- التي قامت بعد ذلك بإعدامه علانية.

 

وفي تلك المرحلة، كان هناك خطر اندلاع صراع أوسع بكثير. وقال مدير أمن شبوة للكاتب "لذلك، كان علينا أن نطلب من الوسطاء القبليين التدخل". وتابع "لدينا شباب غاضبون وأرادوا الذهاب إلى أبين للانتقام لمقتل أقاربهم [على يد سارق السيارة]. لكن إذا سمحنا لهم بالقيام بذلك، فسوف يفتح الباب على مصراعيه للانتقام من القتل بين القبائل في المحافظتين".

 

وتساعد الوساطة القبلية بشكل خاص في السيطرة على الضرر عندما ترتكب الانتهاكات من قبل الجماعات المسلحة التي لا تخضع لقيادة وسيطرة الجهات الأمنية الرسمية. وطلب مدير الأمن السابق في شبوة مساعدة الوسطاء القبليين بعد أن قتل أعضاء ألوية العمالقة- الذين ليسوا تحت إمرته- تاجر قات في شبوة في أوائل عام 2022.

 

ومن عيوب النظام القبلي كآلية غير رسمية للمساءلة أن القبائل تهتم فقط بحماية أفرادها، حتى لو كان هؤلاء الأعضاء يعيشون في مناطق حضرية مثل عدن وتعز. ونجحت قبائل شبوة ويافع ولحج وأبين والضالع وتعز في الضغط على الجماعات المسلحة للإفراج عن رجال القبائل الذين تعرضوا للانتهاكات من قبل أفراد هذه القوات وتعويضهم. وفي المناطق الحضرية، لا يتمتع الضحايا الذين ينتمون إلى خلفيات غير قبلية بنفس الحماية. وعلى حد تعبير أحد المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في عدن، "عادة ما تُرتكب الانتهاكات ضد العدنيين لأنهم ليس لديهم قبيلة أو حكومة لحمايتهم".

 

وسائل التواصل الاجتماعي 

 

وبرزت وسائل التواصل الاجتماعي كأداة قوية جديدة يستخدمها النشطاء اليمنيون لفضح انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها أعضاء الجماعات المسلحة. فعلى سبيل المثال، قرر مختار عبد المعز، ناشط يمني على وسائل التواصل الاجتماعي يعيش في تركيا، محاربة الجرائم الإلكترونية والابتزاز الإلكتروني للنساء. وبمساعدة ودعم شبكة من المتطوعين داخل اليمن وخارجه، تمكن من تعقب المعتدين، وبعضهم أعضاء في الجماعات المسلحة، وساعد عشرات الضحايا على وضع حد للانتهاكات.

 

وفي الآونة الأخيرة، قامت منصات صدق (منصة الحقيقة)، وهي منصة يمنية مستقلة لتقصي الحقائق على الإنترنت، بتتبع وكشف حساب تويتر مزيف يشوه النساء العاملات في المنظمات غير الحكومية، والتي تبين أنها صحفية تعمل لصالح الجيش اليمني. وتساعد هذه الجهود في إعلام الجهات الفاعلة المسلحة أو الضغط عليها للتصدي للانتهاكات، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج. وعلى سبيل المثال، قال أحد كبار المدافعين عن حقوق الإنسان من تعز إن الجيش يهتم على الفور بالقضايا التي أثيرت على وسائل التواصل الاجتماعي خشية أن تدمر سمعتها وتؤدي إلى عقوبات دولية ضدها. وقال كبار الضباط في قوات المقاومة الوطنية وشرطة تعز إنهم علموا في بعض الأحيان بحالات إساءة المعاملة من قبل أعضائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ثم يحاولون معالجتها من خلال قنوات المساءلة الداخلية الخاصة بهم.

 

وبينما يرون أن الدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فعالة، حذر العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان من أنها قد تؤدي أيضًا إلى نتائج عكسية. ففي اليمن كما في أي مكان آخر، غالبا ما تكون الدعوة على وسائل التواصل الاجتماعي عدائية، مما يجبر الجماعات المسلحة على اتخاذ موقف دفاعي، مما يضر أحيانا بفرص تحقيق العدالة للضحايا. علاوة على ذلك، يمكن أن يستغل الفاعلون السياسيون التشهير على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يمكنهم استخدامه لتشويه سمعة خصومهم.

 

أحيانا، يكون الامتناع عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أكثر أهمية لتحقيق النتائج. وأولئك الذين تمكنوا من إقناع الجهات المسلحة بالتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها أعضاؤها قالوا إنهم نجحوا لأنهم اتبعوا نهجًا تعاونيًا مصحوبًا بالسرية. وقال محام نجح في الإفراج عن عضو في الإصلاح (الحزب السياسي اليمني المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين)، والذي تم اعتقاله بشكل تعسفي من قبل جماعة مسلحة متحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، إن جهوده أثمرت لأنه حرص على امتناع حزب الإصلاح عن تداول أي شيء عن القضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقال المحامي نفسه إنه اضطر إلى الانسحاب من تولي قضية نيابة عن عائلة قُتل ابنها عند نقطة تفتيش في الجنوب في سبتمبر 2021، بعد أن أصبحت قضيته مسيسة إلى حد كبير على وسائل التواصل الاجتماعي واستخدمت بشكل أساسي لمهاجمة المجلس الانتقالي الجنوبي والمعارضين السياسيين. ويمكن للتسييس أن يعرض المدافعين عن حقوق الإنسان للخطر ويدمر الثقة التي اكتسبوها بشق الأنفس مع الجهات المسلحة.

 

علاوة على ذلك، يمكن للدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن تقوض فرص مساعدة الضحايا، وإذا لم يتم استخدامها بعناية، فإنها تعرضهم للخطر. فعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك حالة اعتداء جنسي، فإن الناشطين الهواة يأخذونها إلى وسائل التواصل الاجتماعي دون الحصول على موافقة الضحية، مما قد يتسبب في ضائقة عاطفية وعزلة اجتماعية بسبب وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالاعتداء الجنسي، ويمكن حتى وضع الضحية وعائلاتهم معرضة لخطر الانتقام.

 

اللجان المجتمعية

 

في يوليو 2021، أصدر محافظ عدن مرسوماً بتشكيل لجان مجتمعية على مستوى المديريات والأحياء. وتقع اللجان داخل أقسام الشرطة، ومهمتها دعم الأمن وتعزيز التماسك الاجتماعي والسلام، ولديهم لجان فرعية محددة مكرسة لمعالجة الانتهاكات وحماية حقوق الإنسان. إنهم يعملون طواعية ويقصد بهم العمل كجسر بين المجتمعات من ناحية والسلطات المحلية والأمن من ناحية أخرى.

 

وساعدت اللجان في إشراك الجهات الفاعلة المسلحة في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الأعضاء، وحل التوترات، والإبلاغ عن الجرائم، وتنظيم مراقبة الأحياء من المخاطر التي ينطوي عليها. وقال أحد أعضاء اللجان المجتمعية "نذهب مع عائلات الضحايا إلى الجهات المسلحة لكن في بعض الأحيان يخبرونك أن الجاني يخضع لقائد مختلف". وأضاف "نحن خائفون على سلامتنا في بعض الأحيان".

 

ويرى بعض الفاعلين الأمنيين والمدنيين أن فكرة تشكيل لجان مجتمعية في الجنوب فكرة جيدة من حيث المبدأ. ومع ذلك، هناك مخاوف من أن اللجان ليس لديها ولاية واضحة أو معايير اختيار للأعضاء، مما يجعلها عرضة للتسييس والتعاون من قبل الجهات الفاعلة القوية. وقال أعضاء اللجان المجتمعية وبعض الفاعلين في المجتمع المدني، في المقابلات، إن هناك حاجة لنزع الطابع السياسي عن اللجان وتقديم الدعم الفني لها من خلال التدريب على مسؤولياتهم وحقوقهم المدنية، وتعزيز مشاركة المجتمع مع اللجان والإشراف عليها.

 

جهود دولية لتعزيز المساءلة

 

لقد أظهر البحث الخاص بهذا التقرير أيضا أن المجتمع الدولي لديه دور قيم يلعبه في تعزيز المساءلة، على الرغم من أن وجوده المادي في اليمن لا يزال محدودا. وهناك العديد من الآليات البارزة التي استخدمها المجتمع الدولي بشكل فعال- والتي يمكن الاستفادة منها بشكل أكبر.

 

تقارير دولية

 

وأشار جميع المدافعين عن حقوق الإنسان الذين تمت مقابلتهم إلى أن التقارير التي تقدمها المنظمات الدولية وتقارير وسائل الإعلام الدولية تساعد في الضغط على الجهات المسلحة لتغيير السلوك. ففي عام 2018، أدت تقارير لوكالة أسوشيتيد برس وهيومن رايتس ووتش عن سجون سرية إلى إغلاق بعض السجون وإطلاق سراح بعض السجناء المختفين قسريا على يد القوات المدعومة من الإما_رات في الجنوب. ويُقال إن تقارير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن هي الأكثر فعالية، لأنها آلية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتوفير المعلومات ذات الصلة بالتعيين المحتمل للأفراد والكيانات الذين انتهكوا قرارات مجلس الأمن بشأن اليمن.

 

ويشعر قادة الجماعات المسلحة بالقلق إزاء الأضرار المحتملة التي قد تلحق بسمعتهم والعقوبات إذا تم تصنيف أسمائهم على أنها منتهكة لحقوق الإنسان. وقد قام قائد محور تعز باعتقال ومعاقبة الأفراد الذين عُلّموا له من قبل فريق الخبراء.

 

وفي أكتوبر 2021، أظهر الإخفاق في تجديد فريق الخبراء البارزين بشأن اليمن، وهي هيئة أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (OHCHR) في سبتمبر 2017 لرصد وضع حقوق الإنسان في اليمن والإبلاغ عنه، عدم التزام من قبل المجتمع الدولي للمساءلة.

 

الارتباط المباشر مع ممثلي المسلحين

 

المنظمتان الرئيسيتان اللتان تعملان مباشرة مع الجهات المسلحة لتعزيز آليات المساءلة الداخلية وتقوية قدرة المجتمعات على محاسبة الجهات المسلحة هما مركز CIVIC ونداء جنيف.

 

وبدأ المركز العمل في اليمن في أوائل عام 2018، ولدى المنظمة مشاريع مع جهات عسكرية وأمنية في عدن وتعز ومأرب والجوف وشبوة وحضرموت والساحل الغربي. ويسعى المركز إلى تحسين المعرفة وإضفاء الطابع المؤسسي على حماية المدنيين بين القوات العسكرية والأمنية. وهي تقوم بذلك من خلال تدريب المدربين لتطوير القدرات التدريبية للقوات، بما في ذلك الجماعات المسلحة غير الحكومية والمختلطة والشرطة والجيش النظامي.

 

من الأسفل إلى الأعلى، يدعم مركز CIVIC أيضًا مشاركة المجتمع من خلال الحوار المدني- العسكري وبناء قدرات قادة المجتمع ومنظمات المجتمع المدني لمحاسبة القوات المسلحة عن الأضرار التي تلحق بالمدنيين. وتحقيقا لهذه الغاية، أنشأ المركز "مجموعات حماية مجتمعية" في المحافظات التي يعمل فيها حاليا. كما يوفر تدريبا مكثفا لهم حول حماية المدنيين، والمناصرة، وقضايا النوع الاجتماعي والحماية. وتتكون المجموعات من قادة المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان وقادة المجتمع. ومن خلال جلسات الحوار المدني- العسكري، تمكنت مجموعات حماية المجتمع من الضغط على كبار القادة للتصدي للانتهاكات، ولا سيما حالات الاختفاء القسري والاختطاف والابتزاز عند نقاط التفتيش. وعلى سبيل المثال، في أغسطس 2022، أزال قائد محور تعز خمسة نقاط تفتيش أبلغت فيها المجموعات عن أنماط من الانتهاكات المدنية. كما حققت المجموعات نجاحًا مماثلاً في عدن.

 

لقد نجح المركز في التدخل بطرق أخرى. ففي القضية الموصوفة أعلاه، والتي تم فيها تخدير فتاة تبلغ من العمر سبعة عشر عاما واغتصابها، نجح المركز في التنسيق مع قادة الجماعات المسلحة المحلية لإطلاق سراح الفتاة من حجز الشرطة.

 

وبدأت نداء جنيف العمل في اليمن في عام 2019، وهي تعمل حاليًا مع المجلس الانتقالي الجنوبي ومحور تعز والقوات المشتركة على الساحل الغربي. وأنشأت نداء جنيف شبكة لدعم القانون الدولي الإنساني في اليمن، تضم أكثر من اثنتي عشرة منظمة غير حكومية محلية في لحج وتعز وعدن وشبوة وأبين. وتضم الشبكة أيضا محامين وصحفيين ونشطاء ومؤثرين وقادة المجتمع. وتعمل منظمة نداء جنيف أيضا على بناء قدرة هذه المجموعات على توثيق انتهاكات القانون الإنساني الدولي والإبلاغ عنها، كما تبني قدرة المجتمعات على معالجة الانتهاكات. وفي عام 2019، نجحت منظمة نداء جنيف في إقناع المجلس الانتقالي الجنوبي بالتوقيع على التزام مكتوب بالالتزام بمبادئ القانون الإنساني الدولي.

 

وقال العديد من كبار الفاعلين الأمنيين في تعز وعدن، بما في ذلك رئيس اللجنة الأمنية العليا في المجلس الانتقالي الجنوبي، إن نهج مركز CIVIC ونداء جنيف مفيد لأنه لا يشمل التدريب فحسب، بل التوجيه، ويساعدهم على بناء الثقة مع المجتمعات. وأشاروا إلى الحاجة إلى المركز ونداء جنيف لمواصلة عملهم لمساعدتهم على تحسين آليات المساءلة الداخلية.

 

تلطيف التفاؤل

 

هناك عدة أسباب للحذر عند تبني آليات المساءلة الموضحة أعلاه. ومن الواضح أن لديهم حدودهم، والجهود لا تعمل بنفس الطريقة في كل موقف.

 

وأشار القادة المسلحون الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد هذا التقرير إلى أنه غالبا ما يكون من الصعب محاسبة أفراد قواتهم بسبب ضعف نظام العدالة. وفي بعض الحالات، يعاقب القادة الأعضاء الذين ارتكبوا انتهاكات بإنذارات شفهية ومكتوبة، وإيقاف، وخفض رواتب، ونقل، وسجن، حسب خطورة الانتهاكات. ولكن تطبيق آليات المساءلة يمكن أن يأتي بنتائج عكسية في بعض الأحيان ويؤدي إلى اشتباكات بسبب الافتقار إلى القيادة والسيطرة والانضباط بين الأعضاء. ونتيجة لذلك، قال القادة إنهم يحاولون تجنب أحكام الإعدام لأنها يمكن أن تكون إشكالية. ويلجأ القادة أحيانا إلى الوساطة القبلية، والتي تتضمن تقديم اعتذار وتعويضات للضحايا أو عائلاتهم.

 

ومع ذلك، في عدن وتعز، يمكن أن يكون تعويض الضحايا انتقائيا، ولا يكون فعالا إلا إذا كان الضحية يعمل من خلال أفراد مؤثرين لديهم صلات بالقادة. وقال رجل في عدن أحرقت سيارته في اشتباكات بين القوات في عدن العام الماضي: "إنهم لا يعوضون إلا من يريدون". وتابع "إذا كنت لا تعرف الناس، فليس لديك فرصة".

 

وفي شبوة، قال مدير الأمن السابق للكاتب إنه استخدم الوساطة القبلية فقط في الحالات التي تحدث فيها المخالفة، خاصة في حالة القتل، عن طريق الخطأ. ولكن عندما يكون الاعتداء متعمدا، فإنه يسمح للمحاكم بمعالجة القضايا. هناك أدلة على أن المحاكم تُستخدم في أماكن أخرى: في أواخر عام 2021، في الاضلع، عالج المجلس الانتقالي الجنوبي قضايا اثنين من أفراد قواته الذين قتلوا مدنيين من خلال المحكمة العسكرية التي حكمت على كلاهما بالإعدام.

 

وتؤدي الجهود التي يبذلها المجتمع المدني ودعاة حقوق الإنسان أحيانًا إلى وضع حد للانتهاكات، ولكنها في الغالب لا تنطوي على اتخاذ إجراءات ضد الجناة. ففي تعز، يوفر بعض قادة الجيش الحماية لأفراد الجيش المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويتردد بعض القادة العسكريين في محاسبة أعضائهم لأنهم بحاجة إليهم كمقاتلين. وقال محام في تعز: "يقولون إننا بحاجة إلى مقاتلين، ويمكن أن تنتظر المساءلة حتى انتهاء الحرب". نفس العقلية تنطبق على قوات الأمن في عدن.

 

بعض التغيرات الإيجابية

 

هناك أدلة محدودة- معظمها روايات- على أن مواقف الجماعات المسلحة تجاه انتهاكات المدنيين ووعيها بها قد بدأت في التغير. وأدرك القادة الأمنيون والعسكريون في كل من عدن وتعز أن لديهم مشكلة في القيادة والسيطرة وانتهاكات ضد المدنيين. وقد أعربوا عن طلبهم للدعم الفني والمالي لمساعدتهم على معالجة هذه المشاكل. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك تحسن ملحوظ في التواصل بين الجهات المسلحة والمجتمع المدني، مما سمح للمدافعين عن الحقوق بالوصول إلى السجون والضغط على الجهات المسلحة لمعالجة حالات الانتهاك.

 

إن التغييرات الأخرى غير مباشرة أكثر. ففي عدن، أعيد تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي بحيث تتولى لجنة واحدة قيادة جميع القوات المتحالفة، وغرفة عمليات مشتركة داخل مديرية أمن عدن. ومن خلال هذه الإجراءات، تمكن المجلس الانتقالي الجنوبي من السيطرة على حركة المركبات التكتيكية داخل المدينة، وساعد في الحد من حوادث اصطدام المركبات التكتيكية بالمدنيين أو السيارات المدنية، والتي كانت مشكلة شائعة في المدينة.

 

كما بدأ المجلس الانتقالي الجنوبي في اتخاذ إجراءات لتأكيد قيادته. فعلى سبيل المثال، في فبراير 2022، بدأ قائد الجماعة المسلحة المثير للجدل صامد سناح اشتباكات مع وحدات تابعة لأمن مطار عدن، مما تسبب في تعليق الرحلات الجوية في مطار عدن وإغلاق أحد الطرق الرئيسية في المدينة. وقام المجلس الانتقالي الجنوبي على الفور بنشر أعضاء من كتائب الصاعقة، وهي قوة مسلحة مختلفة، والتي صادرت أسلحة ثقيلة من سناح. وأقنع زعيم مجتمع مدني له صلات بالمجلس الانتقالي الجنوبي، سناح بتسليم نفسه سلمياً. وأصدر مدير الأمن في عدن قراراً بتجريد سناح من رتبته وحل الكتيبة وإعادة تجنيد أعضائها في وحدات مختلفة.

 

كما أنشأ المجلس الانتقالي الجنوبي قسما رفيع المستوى لحقوق الإنسان. ويعمل في الدائرة محامون وخبراء في حقوق الإنسان، ولديها فريق يقوم بتوثيق حالات الانتهاكات والتحقيق فيها ومتابعتها مع الجهات المسلحة للتصدي لهذه الانتهاكات. وقال رئيس اللجنة لصاحب البلاغ إنها تمكنت من تحديد مكان والتفاوض بنجاح على إطلاق سراح المدنيين الذين اختفوا قسراً على يد القوات المسلحة في المدينة أو إقناع العناصر المسلحة بمعالجة قضاياهم من خلال المحاكم. كما طور المجلس الانتقالي الجنوبي مدونة سلوك لقوات الأمن مع مبادئ توجيهية بشأن احترام التسلسل الهرمي واحترام حقوق المدنيين. وفي ديسمبر 2022، ساعد المركز اللجنة الفنية المتخصصة في تنظيم اجتماع استشاري مع ممثلي المجتمع المدني وسيادة القانون لتوطين وإدماج حماية المدنيين في مدونة قواعد السلوك وانتهاكات حقوق الإنسان في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي خلال عام 2022.

 

في تعز، يقول قادة الأمن والمجتمع المدني إن الوضع الأمني ​​قد تحسن، مع انخفاض ملحوظ في عمليات الاغتيال وإطلاق النار العشوائي والاستيلاء على الأراضي. وهناك أيضا قيادة وسيطرة أفضل نسبيا مقارنة بسنوات الحرب الأولى. وشكل المحافظ لجنة أمنية مشتركة من الشرطة ومحور تعز لمكافحة جرائم الجماعات المسلحة والانتهاكات الجسيمة مثل الاستيلاء على الأراضي. إن قنوات الاتصال بين الجهات المسلحة ومجموعات المجتمع المدني والنشطاء والمجتمعات مفتوحة في تعز مقارنة بأماكن أخرى في الدولة، ويسهل الوصول إلى الجهات المسلحة. المدينة لديها مجتمع مدني نابض بالحياة وجماعات حقوق الإنسان. ووجد تقرير حديث صادر عن مركز السياسة اليمنية أنه على الرغم من العديد من التحديات، تواصل شرطة تعز توفير الأمن، وتحظى بثقة العديد من السكان.

 

وهناك أيضا اهتمام متزايد بتعزيز دور المرأة في الأمن، والذي يأمل البعض أن يحد من بعض الانتهاكات ويساعد على تمكين المرأة من الوصول إلى العدالة. وفي عدن وتعز وشبوة، اتخذت الجهات الأمنية خطوات لتمكين الشرطة النسائية، وهناك الآن أعداد كبيرة تعمل في سجون النساء، عند نقاط التفتيش- خاصة عند إجراء عمليات تفتيش للنساء الأخريات- وفي بعض المناصب العليا لوحدات شؤون حماية الأسرة، وهي مسؤولة عن معالجة قضايا النساء والأحداث داخل مديريات الأمن.

 

 

رفع مستوى النجاح

 

يُظهر بحث هذا التقرير أن هناك عدة طرق يمكن من خلالها زيادة تعزيز النجاح في المساءلة.

الأول هو الاستمرار في الضغط على أطراف النزاع لحل القضايا التي تؤثر على الوضع الاقتصادي والإنساني. وشجع نقص الرواتب والرقابة أعضاء الجماعات المسلحة على الإساءة إلى المدنيين والاستفادة من معاناتهم. إن ضمان دفع الرواتب واستقرار الريال اليمني والتقديم السلس للخدمات الرئيسية سيساعد في تخفيف المشكلة.

 

 

والشيء الآخر هو دمج المساءلة وحماية المدنيين في مفاوضات السلام التي تقودها الأمم المتحدة. ويمكن القيام بهذه المشاركة من خلال حوار المسار الثاني.

 

 

إن إشراك الجهات الفاعلة المسلحة من قبل مكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن سيحفز تلك الجهات على تغيير السلوك، حتى لو كان ذلك فقط لتجنب العقوبات.

 

 

فضلا عن ذلك، يجب على المانحين إعطاء الأولوية لدعم المنظمات الدولية التي تعمل على تعزيز آليات المساءلة بين الجهات المسلحة. وقد ساعدت منظمات مثل CIVIC ونداء جنيف في خلق مطالبة بين الجهات المسلحة للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان من قبل أعضائها. إن استمرار الدعم لبرامجهم ضروري للبناء على هذا الزخم وتحقيق نتائج مستدامة.

 

 

ومن ضمن التدابير المهمة الأخرى، دعم المجتمع المدني اليمني والمدافعين عن حقوق الإنسان. يجب على المانحين زيادة التمويل للبرامج التي تقدم بناء القدرات والتدريب والمساعدة لأولئك الذين ينشطون حاليا في توثيق حقوق الإنسان وحماية المدنيين من الانتهاكات التي ترتكبها الجهات المسلحة.

 

كما أن هناك حاجة لدور أكبر للآليات الدولية ووسائل الإعلام في فضح منتهكي حقوق الإنسان. على فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية النظر في الإبلاغ عن العناصر المسلحة، بما في ذلك القادة الأفراد المتورطون في انتهاكات حقوق الإنسان. ومن المهم بنفس القدر تجديد ولاية فريق الخبراء البارزين التابع للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بشأن اليمن. ويمكن أن يكون هذا بمثابة رادع وحافز لتغيير السلوك لتجنب العقوبات.

 

وأخيرا، يحتاج اليمن إلى زيادة التمويل لتعزيز قدرة نظام العدالة. يجب على المانحين النظر في البرامج التي توفر التدريب والدعم المادي المباشر وإعادة تأهيل مؤسسات نظام العدالة والمهنيين. كما يجب أن يشمل ذلك مراكز الشرطة والسجون والمحاكم ومرافق الادعاء.

 

حتى مع وجود سلام دائم لبعض الوقت في اليمن، هناك طرق لتحسين الحكم وحياة المدنيين في جميع أنحاء البلاد. ويُعد الاستثمار في الآليات الصحيحة لمحاسبة الجماعات المسلحة خطوة حاسمة في الاتجاه الصحيح.

 

*يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنــــا

 

*ترجمة خاصة بالموقع بوست

 

 

 


التعليقات