قالت مصادر قضائية، إن إجماع قضاة بمجلس الدولة المصري على اختيار مرشح واحد لرئاسة المجلس "يضع الكرة في ملعب الرئيس السيسي"، في نوع من الرفض العملي لقانون الهيئات القضائية الذي صدر مؤخراً، وألغى نظام الأقدمية في تولي المنصب القضائي العريق.
وبعد ثلاثة أحكام قضائية من مجلس الدولة ضد تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، واجه قضاة مجلس الدولة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنفسهم، اليوم السبت، برفض تمكينه من اختيار رئيسهم.
قرابة 500 مستشار بمجلس الدولة شاركوا عصر السبت بجمعية عمومية، وأرسلوا إلى السيسي خطاباً يطالبونه بالتصديق على اختيارهم للمستشار يحيى دكروري، صاحب أول حكم قضائي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وحظر التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة.
قرار الجمعية العمومية على هذا النحو يرفض الالتزام بقانون ال?يئات القضائية الذي أقره البرلمان في 26 أبريل/نيسان الماضي، وصدق عليه السيسي وأصدر قراراً جمهورياً بسريانه، في 27 أبريل الماضي، الذي بموجبه تلتزم كل جهة أو هيئة قضائية بترشيح ثلاثة من بين أقدم مستشاريها، لرئيس الجمهورية ليختار من بينهم رئيس الجهة أو الهيئة القضائية.
ماذا حدث اليوم؟
بعد صدور القانون، سارعت الجهات والهيئات القضائية الأخرى، وهي مجلس القضاء الأعلى والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، بإرسال ترشيحاتها للرئيس، غير أن مجلس الدولة فاجأ الجميع، واختار المرشح الأقدم.
وقال مصدر مقرب من المستشار يحيى دكروري لـ"هاف بوست عربي"، إن قضاة مجلس الدولة "تعمدوا رفض تمكين رئيس الجمهورية من اختيار رئيسهم، خاصة أن رئيس المجلس يترأس المحكمة الإدارية العليا التي تصدر أحكاماً نهائية باتّة تتساوى في حُجيتها مع أحكام المحكمة الدستورية العليا، فضلاً عن أنها تنظر في كافة الطعون التي يقيمها المواطنون ضد قرارات رئيس الجمهورية، ومن ثم فلا يجوز أن يختار الرئيس القاضي الذي ينظر في مظالم المواطنين منه".
واختار القضاة عدم التصعيد الإعلامي، ورفض قسم كبير منهم التعليق رسمياً، مؤكدين رفضهم التصعيد الإعلامي، وانتظار رد الرئاسة، والتزم نادي القضاة "إيثار الصمت والبعد عن التصريحات الإعلامية".
وفي هذا الصدد قال المستشار "محمد عبد المحسن" رئيس نادي القضاة، إن "القضاة باسم ناديهم متفقون على إيثار الصمت، والبعد عن التصريحات الإعلامية التى قد يفسر فهمها باعتبارها صداماً مع النظام".
هل يعني هذا رفض تطبيق قانون الهيئات القضائية؟
يرى المستشار محمود زكي، نائب رئيس مجلس الدولة، أن الجمعية العمومية لمستشاري المجلس لم ترفض تطبيق القانون، موضحاً أن القانون يسمح للرئيس في حالة عدم التزام الجهة القضائية بالفقرة الأولى منه، وترشيح ثلاثة مستشارين يختار من بينهم رئيس الجهة، أن يختار الرئيس من يراه من أقدم 7 مستشارين بالجهة، وأكد لـ"هاف بوست عربي أن قضاة مجلس الدولة لهم موقف واضح يسمح به نص القانون".
وينص القانون على أن "يُعيّن رؤساء الهيئات القضائية بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نواب الرئيس في كل جهة، يرشحهم المجلس الأعلى للهيئة من بين أقدم سبعة نواب لرئيس الهيئة، وذلك لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد، أيهما أقرب. ولمرة واحدة طوال مدة عمله.
يجب إبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس الهيئة بستين يوماً على الأقل. وفي حالة عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور، أو ترشح عدد يقل عن ثلاثة، أو ترشيح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة، يعين رئيس الجمهورية رئيس الهيئة من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الهيئة".
وهل يعني قرار اليوم العودة للعمل بقاعدة الأقدمية؟
المستشار محمود إبراهيم، نائب رئيس مجلس الدولة قال إنهم يعلمون أن القانون الجديد ألغى قاعدة الأقدمية، وأن قرارهم لن يغير القانون، ويعني إعطاء الرئيس الحق في تعيين من يشاء من بين 7 من أقدم مستشاري المجلس، ولكن إلقاء الكرة في ملعب الرئاسة له هدف قانوني.
وحول هذا الهدف، وما الذي سيستفيده قضاة المجلس من قرارهم الذي لن يمنع الرئيس من اختيار من يراه، وهل الهدف إحراج الرئيس، قال لـ"هاف بوست عربي"، إن قرار الجمعية العمومية معناه بالفعل إطلاق يد الرئيس في الاختيار، ولكنه "يسهل الطعن على القانون" أمام المحكمة الدستورية، لأن المجلس لم يقبل بذلك بإلغاء قاعدة الأقدمية واختار استقلاله.
هل يقبل السیسي قاضي مصرية تيران وصنافير رئيساً لمجلس الدولة؟
من المقرر أن يصدر الرئيس المصري قراراته بتسمية رؤساء الجهات والهيئات القضائية الأربعة، المخاطبة بالقانون في الفترة من 30 يونيو/حزيران، المقبل وحتى 18 يوليو/تموز المقبل.
ووفقاً للمحامي عصام الإسلامبولي، فإن "قرارات السيسي ستحدد هدف القانون، وما إذا كان قد صدر ليعاقب المستشارين، يحيى دكروري وأنس عمارة بسبب حكم الأول ببطلان اتفاقية تيران وصنافير، وأحكام الثاني بإلغاء أحكام الإعدام الصادرة من محكمة الجنايات استناداً لتحريات جهاز الأمن الوطني". يضيف الإسلامبولي أن قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة أحرج السلطتين التشريعية والتنفيذية، اللتين أعدتا وأصدرتا القانون، رغم اعتراضات القضاة.
وماذا يحدث لو رفض الرئيس مرشح مجلس الدولة؟
ويوضح المستشار الدكتور "محمد حسن علي"، نائب رئيس مجلس الدولة بشكل أوضح ما يقصده المستشار محمود إبراهيم، قائلاً:
"إذا تم رفض المستشار الدكروري من جانب السلطة التنفيذية فسوف ندفع بعدم دستورية قانون الهيئات القضائية أمام القضاء الإداري كطريق أول، والطريق الثاني في حالة إعلان "الإداري" عدم الاختصاص، سيكون الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، وأحكامها واجبة النفاذ"، هكذا يتحدث بحسم المستشار الدكتور "محمد حسن علي"، نائب رئيس مجلس الدولة.
"النظام في مأزق والقانون غير دستوري وسيتم الطعن عليه في أقرب وقت، والإصرار على اختيار المستشار الدكروري خطوة أولى للاحتفاظ باستقلالية القضاء وللحيلولة دون تدخل السلطات التنفيذية والقضائية". هكذا لخص مستشار بمحكمة النقض الموقف، عقب قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة.
هل يمكن للرئيس اختيار مرشح آخر؟
في أول رد لمجلس النواب، قال النائب صلاح حسب الله، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، إن اختيار عمومية مجلس الدولة مرشحاً واحداً فقط وإرساله لرئاسة الجمهورية، لاختيار رئيس مجلس الدولة جديد، لم ينص عليه الدستور، وبالتالي سيكون من حق رئيس الجمهورية، في غضون 60 يوماً، اختيار مرشح جديد من ضمن أقدم 7 من نواب رئيس مجلس الدولة.
ويقول المستشار محمد حامد الجمل نائب رئيس مجلس الدولة السابق، إنه وفقاً لكشوف أقدمية مستشاري مجلس الدولة، سيتم تعيين أقدم 7 مستشارين بالمجلس بعد رئيسه الحالي، ما يعني أن اختيار الدكروري ليس ملزماً للرئيس.
والمستشارون الذين ينتظر أن يختار منهم السيسي هم: يحيى دكروري، ومحمد زكي موسى، وفايز شكري، أحمد أبو العزم، وبخيت عيسى وربيع الشبراوي وأحمد أبو النجا.
ما الخطوة التالية من جانب القضاة؟
يوضح عصام الإسلامبولي لـ"هاف بوست عربي"، أن الخطوة المقبلة هي انتظار قرار السيسي بالتعيين، وهو القرار الذي ستصاحبه دلالات سياسية وقانونية، محدداً التبعات القانونية، في إقامة المستشارين المتضررين من قرار الرئيس بتعيين القضاة الأحدث منهم رؤساء عليهم، دعاوى قضائية للطعن بعدم دستورية القانون. ولفت الإسلامبولي إلى أنه سبق وتقدم بدعوى قضائية ضد القانون، حيث طالب محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار السيسي رقم 13لسنة 2017بالتصديق على القانون وإصداره، وبإحالة القانون للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى اتفاقه مع الدستور، ومن المقرر أن تنطق المحكمة بحكمها في تلك الدعوى في 13 يونيو/حزيران المقبل.