المفاوضات السعودية الإيرانية.. وتأثيرها على الأزمة اليمنية (تحليل)
- عبد السلام قائد السبت, 24 أبريل, 2021 - 05:12 مساءً
المفاوضات السعودية الإيرانية.. وتأثيرها على الأزمة اليمنية (تحليل)

ما الذي يدور في الغرف المغلقة بين السعودية وإيران؟ وهل الحوار بين الدولتين يعكس رغبة سعودية في التخفيف من حدة الصراع الإقليمي الذي أنهكها أم مناورة إيرانية لتحقيق مكاسب في المفاوضات حول برنامجها النووي؟ وهل الحوار بمثابة إعلان السعودية الاستسلام بعد تعرض منشآتها النفطية لهجمات من قبل حلفاء إيران في المنطقة وكبدتها خسائر كبيرة أم يعكس عجز إيران في الاستمرار في صراع مفتوح يستنزف ثرواتها ويعقّد علاقتها مع المجتمع الدولي؟ وإذا كان الملف اليمني يتصدر الحوار بين طهران والرياض، فهل تقدم السعودية السلطة اليمنية الشرعية كبش فداء ثمنا لمصالحة هشة ومؤقتة مع إيران، بينما طهران ستوعز للحوثيين، مقابل ذلك، بالتهدئة المؤقتة لتحصد مكاسب آنية والعودة للتصعيد ضد السعودية في الوقت المناسب؟

 

تساؤلات تبدو منطقية حول حدث إقليمي غير منطقي، ذلك أن حدة العداوة التي بدأت منذ سنوات بين السعودية وإيران، وأفضت إلى قطيعة دبلوماسية بينهما دامت خمس سنوات، لا يمكن اختزالها في التوافق حول ملف إقليمي محدد وترك بقية الملفات محور الخلاف بينهما عالقة، كما أنه من غير المعقول أن تقدم إيران أي تنازلات للسعودية في ملفات إقليمية أخرى تمثل محور نزاع واستقطاب بين الدولتين اللتين تمثلان رأس الحربة في صراع إقليمي طائفي عوامل استمراره أكثر بكثير من عوامل إنهائه. وإذا كانت مقتضيات اللحظة الراهنة قد دفعت الدولتين إلى الحوار استجابة لحاجة كلٍّ منهما لهدنة تمكنها من إعادة ترتيب أوراقها، فهذا يعني أن الأمر مجرد توافق مؤقت، في حال نجاحه، وترحيل الأزمة إلى أجل غير مسمى.

 

- الرياض ورياح الفُرس العاتية

 

لعل أدق توصيف للحوار بين السعودية وإيران أنه مجرد انحناءة من قِبَل السعودية أمام رياح الفرس العاتية، بعد أن تمكنت طهران من توسيع دائرة نفوذها وأصبحت مليشياتها تطوق السعودية من عدة جهات، وتشن هجمات على أهم منشآتها النفطية، وجعلت أمن مواطني المملكة تحت الخطر الآخذ في التفاقم، في حين تفاوض السعودية إيران وهي مجردة من أوراق القوة، خصوصا بعد فشل عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، وعدم قدرة السعودية على القضاء على الانقلاب الحوثي وإعادة السلطة اليمنية الشرعية إلى العاصمة صنعاء، وهي العاصمة التي قالت طهران إنها رابع عاصمة عربية تسقط بيد الفرس، في سبتمبر 2014، وإن الإمبراطورية الفارسية عادت وعاصمتها بغداد.

 

وإذا كانت السعودية قد فشلت عسكريا في مواجهة حلفاء إيران في المنطقة، وفي مقدمتهم جماعة الحوثي، فإنها أيضا ستفشل في المفاوضات والحوار المباشر مع إيران، ومن المحتمل أن تفضي نتائج الحوار إلى مكاسب دائمة لإيران مقابل مكاسب مؤقتة للسعودية، وستكتشف الرياض فيما بعد أنها وقعت في فخ الدهاء والمكر الفارسي، فعلى الأقل ستحصل إيران على دعم سعودي فيما يتعلق بالمحادثات حول برنامجها النووي، مقابل توقف الحوثيين عن مهاجمة الأراضي السعودية لمدة مؤقتة وسيعادون ذلك بعد الانتهاء من المفاوضات حول برنامج إيران النووي.

 

وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن مصادر دبلوماسية وغيرها، الأربعاء الماضي، قولهم إن إيران وعدت باستخدام نفوذها لوقف هجمات الحوثيين على السعودية، وطلبت في المقابل أن تدعم الرياض المحادثات النووية، وذلك خلال محادثات جمعتها بالجانب السعودي في بغداد خلال وقت سابق من شهر أبريل الجاري، ومن المقرر أن تنعقد جولة ثانية قريبا.

 

ونقلت رويترز عن مسؤولين في الشرق الأوسط ومصادر مطلعة القول إن الجولة الثانية من المحادثات ستنعقد هذا الشهر، لكن لم يُحدد بعد موعد لها، موضحة أن التركيز الأساسي في المحادثات بين الطرفين حتى الآن على اليمن، حيث يُصعّد الحوثيون هجماتهم الصاروخية وعبر الطائرات المسيرة على السعودية.

 

ويترأس وفدي الدولتين في المفاوضات، بحسب مصادر رويترز، رئيس جهاز الاستخبارات السعودي خالد حميدان، ونائب أمين مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد إيرواني، وانطلقت المفاوضات بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الرياض.

 

- هل اليمن ضحية؟

 

إذا كان الملف اليمني يحتل أولويات الحوار بين السعودية وإيران، فيا ترى من سيضحي بحلفائه مقابل مصالحة هشة أو غير مستدامة في إقليم مضطرب؟ بحسب التسريبات، فإن إيران وعدت باستخدام نفوذها لوقف هجمات الحوثيين على السعودية مقابل أن تدعم الرياض المحادثات النووية، وهذا يعني أن إيران هي الرابحة من المفاوضات، وأن تكثيف الحوثيين هجماتهم على السعودية كان بإيعاز من إيران لتعزيز موقفها التفاوضي فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وما تقدمه إيران من تنازلات للسعودية، من قبيل وقف إطلاق النار على أراضيها، لا يمثل مكسبا حقيقيا للسعودية، خصوصا أن الأهم بالنسبة لإيران هو استمرار سيطرة الحوثيين على الأرض، وما عدا ذلك فهو مجرد مناورة سياسية.

 

يمثل الملف اليمني أرضية مشتركة للحوار بين السعودية وإيران، كون كلتا الدولتين لهما نفوذ في اليمن، والصراع في البلاد وصل إلى طريق مسدود، لكن التعقيدات على الأرض ستعيق أي محاولات للحل السياسي للأزمة اليمنية، ولن ينجح الحوار إلا إذا قدمت السعودية تنازلات لصالح إيران والحوثيين، وهو ما سترفضه الأطراف اليمنية المناوئة للحوثيين، وربما يدفعها ذلك للتحرر من الوصاية السعودية، بينما إيران فكل ما يهمها حاليا هو تثبيت الوضع القائم لصالح الحوثيين، وتقديم تنازلات لا تعدو كونها ضحك على الذقون، مثل الضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم على السعودية.

 

وفي المحصلة، لا يمكن لأي حوار أن ينجح بين السعودية وإيران حول الملف اليمني إلا إذا قدمت السعودية تنازلات كبيرة، أي التسليم بالأمر الواقع لصالح إيران تحت ضغط هجمات حوثية معظمها تتم بواسطة طائرات مسيرة تُطلق برميها بواسطة اليد وتشبه الألعاب، وبالتالي تسليم اليمن لإيران مقابل وقف هجمات عبثية أو تركه يواجه مصيره وحيدا بعد سنوات من الخذلان والإضعاف المتعمد للسلطة الشرعية، بينما الحوثيون يعززون نفوذهم في مناطق سيطرتهم. وإذا السعودية تصلبت في مواقفها، فلا يمكن لأي حوار أن ينجح إلا إذا أعادت إيران النظر في سلوكها العدواني في المنطقة، وتوقفت عن دعم المليشيات الطائفية المتطرفة في عدة بلدان عربية، وتوقفت أيضا عن استعراض الأسلحة والتصريحات المستفزة لجيرانها العرب، وهو ما لا يمكن أن يحدث.


التعليقات