"المدرهة" تراث تقليدي يميز حجاج سكان صنعاء في الوداع والاستقبال
- صنعاء - خاص الجمعة, 16 يوليو, 2021 - 06:48 مساءً

[ مدرهة صنعاء لتوديع الحجاج واستقبالهم ]

تعمل مؤسسة عرش بلقيس الثقافية، منذ قرابة خمسة أعوام، على إحياء فعاليات سنوية احتفالا بـ"المدرهة" التي تمارس بالتزامن مع ذهاب الحجاج إلى أداء مناسك الحج، لكن التطور المتسارع لوسائل النقل الحديث قلل من أهميتها نتيجة العودة السريعة للحجيج، بعكس قديما حيث كان يستغرق أشهر.

 

تعد "المدرهة" من أشهر الطقوس الاجتماعية النادرة التي ترتبط بموسم الحج، وتنتشر بشكل أوسع في مدينة صنعاء القديمة، حيث يقوم السكان بتركيبها عشية دخول ليلة الخامس من ذى الحجة في أحواش منازل المدينة المصنفة على قائمة التراث العالمي.

 

تراث الأجداد

 

تقول دعاء الواسعي، رئيسة مؤسسة عرش بلقيس الثقافية والسياحية، إن مؤسستها ترفع شعار "تراث الأجداد مسؤولية الأحفاد" منذ خمس سنوات، بينما تطالب الحكومة بإدراج هذا التراث في المناهج التعليمية حتى لا ينحدر مع تجدد الأجيال.

 

 

وتضيف لـ"الموقع بوست": "من خلال فعالياتنا نسعى للحفاظ على الهوية اليمنية وعلى الآثار والتراث أيضا، فيما أن هذا التراث يتجسد في صنعاء بامتياز تعبيرا من أهل وأقارب وأصدقاء الحاج مدى حبهم لها، ومشاركين أسرته حزن فراقهم للحاج".

 

يبدأ السكان المدينة التاريخية بنصب أعمدة “المدرهة”، وسط ترديد أهازيج وأغانٍ، فور انتقال أفواج الحجاج اليمنيين إلى بيت الله لأداء مناسك الحج، حيث تكسى هذه الأرجيحة بالقماش.

 

وتتكون المدرهة من عمودين حديديين أو خشبيين، على أن توضع فوقهما خشبة ثالثة، يسقط منها حبل توضع في وسطه خشبة صلبة، يجلس فيها الأطفال وكبار السن في استقبال من يذهب إلى ممارسة هذا الموروث اليمني.

 

لا عيد دون المدرهة

 

تروي إيمان صالح وهي مرشدة سياحية، أنه "قبل سبع سنوات ذهبت والدتي لأداء هذه الفريضة نصبنا حينها في حوش منزلنا المدرهة، وكان كل يوم يأتين نساء الحارة يتدرهين، كما أنهن يتحدثن عما بنفسها من لديها ابن مسافر (...)".

 

 

وترتبط طقوس المدرهة بشكل وثيق مع أبناء صنعاء القديمة الذين يمارسوا هذه العادات والتقاليد عند منزل من يذهب أحد أفراده للحج، في وقت تستمر الفعاليات حتى يعود الحجيج من مكة، بينما انتقلت هذه العادات إلى ريف العاصمة صنعاء الذي تحتفل نساؤه في الصباح، على أن تكون فترة المساء للرجال.

 

وتقول إيمان وهي أيضا من سكان صنعاء القديمة لـ"الموقع بوست"، إنه "منذ ولادتي وأنا أتذكر المدرهة في صنعاء القديمة تنصب في ضواحيها وأحواش منازلها كتوديع للحج"، مضيفة "لا يمكن أن يكون هناك عيد أضحى في المدينة الأثرية في حالة عدم وجود هذه الطقوس، لأنها أصبحت من عاداتنا العيدية التي لا غنى عنها.

 

بدايات الظهور

 

ويعتقد أخصائي ترميم الآثار بجامعة صنعاء بدايات ظهور المدرهة إلى ما قبل الإسلام، حيث كان العرب يحجون إلى مكة، مقابل ذهاب اليمنيين للحج إلى معبد أوام في مأرب، لكن بعض المؤرخين يعيدون بداياتها للعهد الإسلامي.

 

 

يقول "إسماعيل" إنه عند نصب الأرجوحة يتحرى الأهل من تثبيت أعمدتها خشية انقطاع حبالها، وهو ما قد ينذر حسب الاعتقاد السائد بشؤم، أو مكروه قد يحل بالحاج، خاصة وأن السفر إلى الحج قديماً كان محفوفاً بالمخاطر ويستمر لشهور.

 

كما أنه عند تثبيتها يجب أن تكون المدرهة باتجاه الشمال في إشارة رمزية أثناء التدرهة ذهاباً إلى الشمال، وإياباً إلى الجنوب، بذهاب الحجيج إلى مكة شمالاً، وعودتهم جنوباً إلى أوطانهم، وفق أخصائي الآثار.

 

ويضيف أن المدرهة ليست كلها أهازيج فرح، بل يغلب عليها طابع الحزن، لا سيما تلك التي تصف مغادرة الحاج بيته، وفراق أهله وأبنائه، نتيجة المشقة التي يعانيها الحاج أثناء سفره للحج والمخاطر التي قد يتعرض لها.


التعليقات