[ علي محسن صالح الأحمر (الصحافة اليمنية) ]
قبل أن يتلو الرئيس عبد ربه منصور هادي إعلان تنحيه عن السلطة في اليمن وتسليمها لمجلس رئاسي، كان قد أنهى 50 عامًا على الأقل من نفوذ نائبه علي محسن الأحمر، رجل الظل في اليمن.
وتغيب الفريق الأحمر عن الصور التي التُقطت في المراسيم الأخيرة لتسليم هادي السلطة، لكنه ما لبث أن أصدر بيانًا يبارك فيه نقل السلطة ويقول "إنني أودع مرحلة حياةٍ من الالتزام والجندية الكاملة في مؤسسة القوات المسلحة وفي رئاسة الجمهورية بدأت مع بدايات ثورة الـ26 من سبتمبر/أيلول المباركة لعام 1962 وامتدت إلى اليوم".
وهذا هو اليوم الأول للجنرال الذي كان ملء السمع والبصر في اليمن بعيدًا عن السلطة، إذ كان نفوذه بين السياسيين والجيش والقبائل يطغى أحيانًا على منصب الرئيس في اليمن.
نفوذ من الجيش
كان المسؤول العسكري البارز المولود عام 1945 في قرية بيت الأحمر بمديرية سنحان، إحدى ضواحي العاصمة صنعاء، قد التحق بالجيش عام 1961، أي قبل عام واحد من ثورة 26 سبتمبر/أيلول، التي أعلنت قيام النظام الجمهوري.
ومنذ ذلك الحين ترقى في الجيش حتى وصل إلى أركان حرب اللواء الأول مدرع 1978، وحينها لمع اسمه حين كان واحدًا من أبرز القادة العسكريين الذين أحبطوا الانقلاب الناصري الذي خُطط لإنهاء الحكم الحديث -حينها- للرئيس علي عبد الله صالح.
ومنذ ذلك الحين قوي نفوذ الأحمر وسلطته كونه ينحدر من نفس أسرة الرئيس صالح، وعلى مدى طويل أُشيع أنه أخو صالح غير الشقيق، وتوغل وسط القبائل وبين الأحزاب والقطاعات المدنية.
لكن حرب صيف 1994 التي أحبطت محاولة انسحاب نظام الجنوب من الوحدة الموقعة عام 1990، كانت المحطة الأبرز لمحسن، إذ كانت قواته والإسلاميون المتحالفون معها القوة الضاربة، ومنذ ذلك الحين بدأت إشكالاته تتسع.
وامتلك الأحمر نفوذه رغم أن أعلى منصب شغله كان قائدًا للمنطقة العسكرية الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع.
الاصطدام مع صالح
لكن الرئيس الأسبق صالح بدأ يضيق ذرعًا بالنفوذ المتزايد لمحسن، وبدأ بتهميش قوات الأخير على حساب إنشاء قوات الحرس الجمهوري بقيادة نجله أحمد، بينما كان محسن يقود حروب صعدة الـ6 بين عامي (2004 – 2010) ضد الحوثيين.
وانفجر الوضع بين الرجلين اللذين مثلا سلطة قوية عقب اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2011، التي أيدها محسن وأعلن انشقاقه عن صالح، وتحول نفوذ الرجلين إلى أزمة ألقت بظلالها على المطالب الشعبية لشباب الثورة.
لكن التسوية التي مثلت مخرجًا للأزمة كانت في جوهرها إبعاد الرجلين، لكن الرئيس هادي الذي صعد للحكم عيّن محسن مستشارا له عام 2013، لتنحصر مهام الأخير في اجتماعات رسمية.
لكن اقتحام الحوثيين للعاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، أعاد محسن للواجهة إذ كان الشخص المطلوب لهم ليضطر للمغادرة إلى السعودية ومن هناك أعاده هادي لمنصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولاحقًا عيّنه كنائب له في محاولة لحشد القبائل في مواجهة الحوثيين.
إرث من التحالف والعداء
وبين من يرى محسن جزءًا من نظام صالح الذي كان سببًا في انهيار البلاد وتفشي الفساد، يراه آخرون شخصية عسكرية نجحت في إحداث توازنات في المشهدين السياسي والعسكري لبلد عاش دورات من الاضطراب العسكري والسياسي.
ويقول معارضوه إنه كان واحدًا من أبرز القادة العسكريين الذين عززوا من الفساد داخل المؤسسة العسكرية، إذ انتشرت في عهده القوائم الوهمية في سجلات كشوفات الجيش.
ويُتهم الفريق الركن بارتكاب جرائم خلال قيادته الحملات العسكرية في جنوب اليمن وشماله، غير أن مؤيديه يرون أن تلك الاتهامات لا تعدو عن كونها جزءًا من الصراعات السياسية، حيث كان الأحمر مقربًا من حزب الإصلاح الإسلامي.
وفي بيانه الأخير، طالب الأحمر اليمنيين بالسماح، وقال "ويشهد الله، أنني في كل المراحل لم أكن إلا منحازا للشعب والجمهورية مترفعا عن الثأر لذاتي، أو الانحياز لمصالحي، متسامحا تجاه كثير من النيل لشخصي، ملتزما بالقوانين والتوجيهات وحماية المكاسب الوطنية وحراسة الجمهورية والديمقراطية والمصالح العليا".
10 أعوام من الحكم
ومثله كان هادي قد طوى 10 أعوام من حكم البلاد التي هوت إلى حرب مستمرة تسببت في أسوأ أزمة إنسانية، ونحو 35 عامًا من الحياة العسكرية والسياسية المتقلبة بين جنوب اليمن وشماله.
وكان هادي المولود في محافظة أبين، جنوبي اليمن، في العام الذي ولد فيه نائبه محسن الأحمر، قد تدرج المناصب العسكرية عقب دراسة أكاديمية عسكرية في عدة دول، وإبان الاقتتال الدامي بين رأس السلطة في النظام الحاكم لليمن الجنوبي عام 1986، كان هادي يقف في الجانب المنهزم ليلوذ بالفرار إلى صنعاء.
وكان ذلك اللجوء دافعًا له لينخرط بقوة في حرب 1994 إلى جانب نظام صالح في مواجهة المنتصرين عليه سلفًا، ليُكافأ بتعيينه وزيرًا للدفاع، وبعدها بعامين عُين نائبًا لصالح، وحتى 2012 بقي دون نفوذ حقيقي إلا من مهام صورية وإدارية.
ويرى الكثير أن فترة تهميشه انعكست على أدائه بعد تولي الحكم، إذ بدا مهزوزًا وضعيفًا في مواجهة الأزمات، رغم الدعم الواسع والكبير الذي لاقاه من الشعب اليمني والمجتمعين الدولي والإقليمي عقب انتخابه عام 2012.
واتخذ هادي مواقف جدلية أبرزها تصريحه حين زار محافظة عمران إثر سيطرة الحوثيين عليها، وقال إن "عمران عادت إلى حضن الدولة"، إضافة إلى توقيعه اتفاق السلم والشراكة عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء.
وكلف ذلك هادي الكثير، إذ ما لبث أن فرض الحوثيون عليه إقامة جبرية، ودفعه ذلك لتقديم استقالته التي لم يبت فيها مجلس النواب، وبصورة مفاجئة لاذ بالفرار إلى مدينة عدن، وهناك حاول الحوثيون اغتياله ليفر من جديد إلى سلطنة عُمان ثم السعودية.
وكان الرجل الذي يقيم في الرياض منذ أبريل/نيسان 2015، ويعاني من اعتلال في القلب، قليل الظهور خلال السنوات الأربع الماضية، وكانت آخر زيارة له لليمن عام 2019.
حلحلة الأزمة
وبينما يرى قلة -وهم مؤيدو هادي- أنه وقف ضد التدخل الإيراني في اليمن، يراه معارضوه كمعضلة حقيقية حالت دون تحقيق أي تقدم سياسي في البلاد، فكونه يمثّل الشرعية المنتخبة والوحيدة لليمنيين، ترك البلاد التي تشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية تغرق في وحل من الفساد والحرب.
كما أن هادي متهم بإهماله الأوضاع في اليمن تاركًا الأمر لمدير مكتبه وأولاده الذين مارسوا عمليات فساد، خصوصًا فيما يتعلق بعقود استيراد الوقود.
ومثل ما كان هادي معضلة لإصلاح المؤسسة الشرعية المنتخبة، كان هو الحل مختتمًا مشوارًا طويلًا من التناقضات السياسية والعسكرية وكثير من الوعود التي لم تتحقق.