تواصل المجاعة دق ناقوس الخطر في تهامة، محافظة الحديدة، غرب اليمن، بشكل مخيف ينذر بكارثة إنسانية وشيكة.
وقالت منظمات محلية إن ما يزيد عن 80 ألف أسرة في قرى التحيتا لوحدها، تواجه شبح المجاعة، فيما تتسع رقعة المعاناة لتشمل باقي قرى مديرية تهامة، وسط عشرات الحالات من الوفيات.
وقال حقوقيون إن هذه المجاعة تعود لتوقف مصادر الدخل لسكان المديرية الساحلية، والمعتمدين أساسا على مهنة الصيد، وذلك بسبب الحرب التي تسبب بها انقلاب الحوثيين قبل عامين.
وتعيش المديرية مجاعة حقيقية، فضلا عن انتشار كثيف للأمراض والأوبئة الفتاكة كالجرب والكوليرا وسواهما، والتي لا تزال والجوع يحصدون أرواح التهاميين.
وقد اختارت "الأمم المتحدة"، ومنذ بداية الحرب، اختارت ميناء الحديدة كمركز لاستقبال الإغاثة القادمة من أنحاء العالم، غير أن تلك المعونات تذهب لمتنفذي الانقلاب، وتباع على الأرصفة لدعم ما سمي بالمجهود الحربي.
واستنكر ناشطون وصحفيون حملات تبرع للبنك المركزي لسلطة صنعاء، يقوم بها أبناء محافظة الحديدة، بينما غير بعيد منهم، يقبع عشرات الآلاف من إخوانهم تحت رحمة الجوع والأوبئة.
وباستثناء بعض المبادرات الشبابية والمنظمات المحلية، يعزف الجميع بلا استثناء عن إنقاذ التهاميين، بمن فيهم سلطة الأمر الواقع، التي تسيطر على المحافظة، وهي من جلبت لها ولليمن أجمع هذه المتسلسلة من المعاناة.
مغتربون يمنيون قاموا، وبجهود ذاتية، بتجميع "حليب الأطفال" من معظم المحافظات السعودية، كمساهمة منهم في إنقاذ أطفال تهامة، حسب تعبيرهم، فضلا عن مبادرات محلية تأخذ تبرعات من الأهالي لإغاثة إخوتهم.
وكان وفدا حقوقيا أمميا قد زار، الأسبوع الماضي، مدينة الحديدة، لكن زيارته اقتصرت على تقصي آثار غارات طائرات التحالف العربي، إذ لا تندرج الأعمال الإغاثية للتهاميين ضمن جدول أعماله، أو أن الأمم المتحدة لا تكترث أصلا للحالات الإنسانية.
مركز الإغاثة تعاني المجاعة
"التحيتا كغيرها من المديريات التي تكتسحها المجاعة في محافظة الحديدة، على إثر الحرب التي سببتها مليشيات الحوثي والمخلوع".
وقال الناشط في المجال الإغاثي "محمد المقرمي": لقد نجم عن هذه الحرب توقف الأعمال والخدمات الأساسية، ومصادرة الإغاثة الخاصة بالمتضررين والأسر الفقيرة، ومصادرتها من قبل النافذين في المحافظة التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي والمخلوع".
وقال "المقرمي" في مداخلة مع (الموقع بوست): " كانت الحديدة، منذ بداية الحرب، تعد مركزاً إغاثياً نتيجة لاعتماد المنظمات الدولية ميناء الحديدة كميناء رئيسي لإيصال المساعدات إليه، ولكن للأسف كانت تذهب كلها للنافذين".
وتابع: "لذلك فإن الحاجة أصبحت ضرورية لتغيير مسار المنظمات الأممية في سياسة توزيع الإغاثة، وتغيير شركاء التوزيع، كما يتطلب من المنظمات الخليجية التي أسهمت في التخفيف من الوضع الإنساني المأساوي في اليمن، أن تبادر لإيصال المساعدات كما عهدناها في وقوفها المستمر مع كل المتضررين من الحرب".
وأردف: "على دول الخليج تسليم هذه المساعدات لمنظمات محلية تعمل بشفافية وتستشعر المسؤولية لإيصالها للمتضررين، كما ينبغي فرض سلطة رقابية من قبل الحكومة الشرعية لضمان تسليم الإغاثة للمتضررين وعدم سيطرة المليشيات عليها كما جرت العادة".
مبادرات ذاتية لمغتربين يمنيين
"خليل باجياح " ناشط ومغترب تبنى ومغتربين يمنيين في السعودية مبادرة بجهود شباب ذاتية حركهم مقطع فيديو نشرته ناشطة يمنية يحكي معاناة الحديدة.
وقال "باجياح" لـ(الموقع بوست): "بعد نشر الدكتورة "أشواق محرم" مقطع فيديو يحكي معاناة أطفال تهامة، وانعدام تام للحليب والغذاء والدواء، فتكاتفنا، كوننا يمنيين في المهجر، علي صفحات فيسبوك، وقمنا بحمله التبرع بالحليب، تحت اسم (حملة إنقاذ تهامة)".
وتابع القول: "الحمد لله نجحنا وتم تواصل أهل الخير، وتسليم المعونات من الحليب لكل شخص كلف بالاستلام في المحافظة التي يتواجد فيها، وسيتم إرسالها.
وأردف: "لا زلنا نسعى لمواصلة الحملة، حيث استهدف هذه المرة حليب الأطفال، لكن لا يزال هناك أشياء كثيرة يحتاجونها، من ملبس ومأكل ومشرب، وما زلنا نسعى لتحقيق حملات أخرى مماثلة لإنقاذ إخواننا في تهامة".
مجاعة وأمراض جلدية
اكتسحت المجاعة سبع قرى غرب مديرية التحيتا على امتداد الساحل الغربي للمديرية، فيما ضاعفت الحرب التي تمر بها البلاد حدتها.
وأكد "مجاهد القب" صحفي وناشط من الحديدة أنه وفقاً لتقارير منظمة رصد للحقوق والحريات، فإن عدد الوفيات بلغ 18 شخصاً بينهم 6 أطفال و 4 نساء بينهم اثنتان من الحوامل.
وأضاف "القب" لـ(الموقع بوست): "تعود الأسباب التي تكمن خلف المجاعة إلى توقف الاصطياد البحري، وغرق كبار صيادي تلك القرى في الديون، بعد توقف صادرات الأسماك، وانحسار مصادر الدخل، نتيجة للحرب التي تشهدها البلاد".
وتابع: "وطبقاً لإحصائيات منظمة رصد الحقوقية، فإن عدد سكان 7 قرى البالغين حوالي 8 آلاف نسمة أضحت المجاعة هي الوضع العام الذي تعيشه، فيما ضاعف معاناتهم انتشار الأمراض الجلدية بصورة مخيفة، بلغت 80% من بين 100 حالة خضعت للفحص بواسطة فرق طبية،في قرية الذكير والبقعة".
نموذج لمعاناة وطن
"صرخة وجع وجوع من التحيتا، أطفال ونساء بلا غذاء أو دواء لأيام، باتت تشمل (جوع - مرض - سوء تغذية)".
وقال "باسم العبسي" ناشط حقوقي: "أبناء التحيتا طريحو الفراش، بأجسادهم الهزيلة، بلا ماء ولا حتى مأوى يسترهم. والحقيقة أن هناك الف منطقة يمكن تسميتها بالتحيتا؟ وكل هذا بفضل تجار الحروب ومهووسو السلطة".
وأضاف في تصريح لـ(الموقع بوست): "ما تشاهدونه عن التحيتا هو عبارة عن صورة مصغرة للمأساة التي يعيشها معظم اليمنيين، فيما الوسائل الإعلامية لتجار الحروب تعمل كأدوات ترويج، تصنع من نبل هؤلاء الفقراء مواد إعلامية لما صنعته حربهم المجنونة، فيما ذويهم يدرسون في أرقى الجامعات، ويسكنون القصور في الخارج، على حساب جوعهم".
وتابع: "نحن جميعا معنيون بإيجاد حلول جذرية تجعلنا في تسوية دائمة مع ضمائرنا، والوقوف وبلا تردد بوجه تجار الحروب، وأن نوقف معاناة إخواننا في تهامة، فالصور والمساعدات البسيطة ليست كافية لمعالجة هذه الكارثة، إنما هي عبارة عن حلول مؤقتة ليس إلا.