ناقش الجزء الأول من هذا المرصد السياسي الاستيلاء على عدن، وسلط الضوء على نجاح التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بدعم من الولايات المتحدة ضد المتمردين الحوثيين والمؤيدين المسلحين للرئيس السابق علي عبد الله صالح. لكن تبقى جوانب كثيرة من جهود التحالف غير مرضية على الإطلاق، لا سيما على مستوى الأضرار غير المباشرة التي سببتها الحملة الجوية.
وإذا لم يتم اتخاذ خطوات لتصحيح هذه العيوب، فقد يلقى المزيد من المدنيين حتفهم، وقد يجني الحوثيون وراعيتهم إيران مكاسب دعائية جمة. عملية "عاصفة الحزم" بدأت العمليات الجوية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين حين طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في 24 آذار/مارس الماضي [تقديم المساندة لبلاده بما في ذلك] التدخل العسكري "استناداً إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة "، وكذلك "ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك". وفي 26 آذار/مارس، شنت القوات الجوية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن والكويت والبحرين وقطر عملية "عاصفة الحزم".
ومنذ ذلك الحين، شاركت حوالي 170 طائرة مقاتلة في الحملة من بينها 100 من السعودية (ومعظمها من طراز "F-15S" و "يوروفايتر تايفون")، و 30 من دولة الإمارات ("F-16s" و "ميراج 2000s")، والعديد من "F-16s" من البحرين ( 15) والأردن (6) والمغرب (6).
ودامت المرحلة الأولى من العملية تسعة وعشرين يوماً وشهدت تركيز قوات التحالف الجوية غاراتها على الأهداف العسكرية والسياسية والبنية التحتية من دون علاقة واضحة باستراتيجية حرب شاملة. وتم استهداف القواعد الجوية ومنشآت الدفاع الجوي أولاً لكسب السيادة الجوية وحرية الاضطلاع بمهام إعادة تعبئة الوقود والاستطلاع الجوي داخل المجال الجوي اليمني أو بالقرب منه. كما تم استهداف أنظمة الصواريخ أرض -أرض بعيدة المدى في مواقعها وفي مواقع الإطلاق المعروفة. كذلك بُذلت جهود لعزل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من تلقي الإمدادات الإيرانية عبر تعطيل المطارات وموانئ البحر الأحمر مثل الحديدة والمخا.
وتركزت الضربات الأخرى على تجمعات قوات الحوثيين ومواقع القيادة في الشمال، والدعم الجوي القريب على طول الحدود السعودية -اليمنية، والمعسكرات المتحالفة مع الحوثيين ومخازن الأسلحة. وبحلول أوائل نيسان/إبريل، حاول التحالف (وفشل بصورة كبيرة) في كبح تقدم قوات الحوثيين نحو الجنوب عبر ضرب الطرق والجسور ومحطات الوقود.
واستُنزفت الأهداف المحددة - ذات القيمة العسكرية الحقيقية - إلى حد كبير، حيث تم شن هجمات جديدة أعادت ضرب أهداف محددة أو إصابة ما يشتبه به من أماكن تجمع للقوات الحوثية وتلك المؤيدة لعلي عبد الله صالح. وفي 22 نيسان/إبريل، أعلن المتحدث باسم قوات التحالف العميد الركن أحمد العسيري، عن انتهاء عملية "عاصفة الحزم"، مشيراً إلى أنها "قد أنجزت أهدافها في اليمن من خلال تدمير القدرات الصاروخية لحركة الحوثيين والوحدات العسكرية المتحالفة مع الحوثيين". متابعة العمليات الجوية على الرغم من هذا الإعلان، إلا أن قوات التحالف لم توقف حقاً هجماتها الجوية، بل أن الحملة قد تصاعدت وأصبحت أكثر وحشية ابتداءً من أواخر نيسان/إبريل فصاعداً، وأخذت شكل دورة انتقامية متبادلة. وبعيداً عن الاشتباكات الحدودية والهجمات المتكررة على معسكرات الجيش، والكثير منها كانت فارغة على ما يبدو، هيمنت ثلاث أنواع جديدة على الغارات الجوية المستهدفة، وهي: ·
الضربات الاضطرارية: هاجم التحالف مجموعة من المواقع القيادية والعسكرية المرتبطة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح في محاولة للضغط على عشيرته عفاش للانفصال عن الحوثيين - وهي استراتيجية ربما حققت نجاحاً جزئياً. وغالباً ما تعرضت القواعد العسكرية لضربات مباشرة عقب انشقاق أفرادها والتحاقهم بالحوثيين؛ فعلى سبيل المثال، في 7 تموز/يوليو، وُجهت ضربات نحو "قاعدة العبر" وقتل ثلاثين جندياً من "اللواء 23" بمجرد أن أعلنوا التحاقهم بالحوثيين. ·
العمليات الانتقامية: من بين أكثر الجوانب المثيرة للجدل في الحملة الجوية هو استهدافها الواضح للمناطق المدنية والبنية التحتية في صعدة، موطن الحوثيين [ومولد زعيمهم حسن الحوثي الذي سُمّيت الحركة باسمه]. وقد تسارعت وتيرة هذا الاستهداف مع هجمات الحوثيين على الحصون الحدودية في منطقتي جيزان ونجران في المملكة العربية السعودية منذ أوائل أيار/مايو فصاعداً. وفي السابع من أيار/مايو، بدأت قوات التحالف تحذر سكان صعدة عبر منشورات تدعوهم فيها إلى مغادرة المنطقة. وبحلول السابع عشر من أيار/مايو، أشار تحليل الأقمار الصناعية التابعة للأمم المتحدة إلى أن إجمالي المباني التي تضررت أو دُمرت في صعدة خلال الغارات الجوية بلغ 1171 مبنى (لمزيد من المعلومات حول عدد القتلى المدنيين، راجع القسم التالي). وعمد الحوثيون إلى مجاراة قوات التحالف ضربة بضربه: فقد تزايدت الضربات المدفعية الصاروخية بعيدة المدى والغارات العابرة للحدود إلى المملكة العربية السعودية وأصبحت أكثر قوة منذ أواخر أيار/مايو، مستخدمة قاذفات صواريخ متعددة من طراز "بي أم-21" و "بي أم-27" وأنظمة متطورة مضادة للدبابات المزوّدة من قبل إيران كنظم "ميتيس-إم و "كورنيت-إي" وقذائف صاروخية "آر پي جي-29"). ·
القصف بصواريخ سكود: كان من الواضح أن المرحلة الأولى لعملية "عاصفة الحزم" لم تتخلص كلية من الصواريخ اليمنية الأرضية الإنطلاق والهدف (SSM). ففي السادس من حزيران/يونيو، أُطلق على الأقل صاروخ واحد من طراز "سكود سي" من نسخة معينة ("هواسونغ -6" الكوري الشمالي تم نقله إلى اليمن في عام 2002) على المدينة العسكرية السعودية في مدينة خميس مشيط. وقد كان اليمن يمتلك في الأصل خمسة وعشرين صاروخاً من طراز "هواسونغ-"6 والعديد من صواريخ FROG قصيرة المدى؛ أطلق منها بين أربع إلى عشرين من صواريخ SSM داخل المملكة. ويمكن أن يصل مدى صاروخ "هواسونغ-6" إلى 500 كيلومتر داخل الأراضي السعودية وبإمكانه حمل قذيفة شديدة الانفجار بوزن 770 كغم؛ كما يمكن أيضاً نقله من خلال قاذفات المنصات المتحركة (TEL).
وسبق أن أدركت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في عام 1991 خلال عمليات قنصها الشهيرة لصواريخ سكود في العراق بأنه يصعب جداً العثور على قاذفات المنصات المتحركة. ولم يتم التأكد من تدمير أيٍ من صواريخ SSM اليمنية قبل شن العملية؛ ولم تصب الضربات الجوية التي شنها التحالف سوى المواقع الثابتة المرتبطة بهذه الصواريخ. أضرار جانبية جسيمة بالنسبة للمراقبين الغربيين الذين اعتادوا على الحملات الجوية الحديثة التي تستهدف الحد من الوفيات بين المدنيين، كان مستوى الأضرار الجانبية في حملة اليمن مذهلاً.
وحتى الآن، تشير الأرقام المجمعة من التقارير الصحفية اليومية أن ما بين 4200 و 5500 مدني قد لقوا حتفهم خلال الهجمات الجوية. وتشير احصاءات منظمات الرقابة التي تتمتع بسمعة حسنة عموماً مثل "هيومن رايتس ووتش"، و"منظمة العفو الدولية"، و"الأمم المتحدة" بأن معدل القتلى المدنيين هو أربعين شخصاً يومياً، أو حوالي ما مجموعه 4000 شخص منذ أواخر نيسان/أبريل.
وفي 6 تموز/يوليو، أُعلن عن وقوع أكبر عدد من القتلى في يوم واحد وهو 176 شخصاً. وعلى الرغم من أن الائتلاف قد استخدم عدد كبير من الذخائر "الموجهة بدقة"، إلا أن تقرير "هيومن رايتس ووتش" من 3 أيار/مايو قد أشار بأنه يستخدم أيضاً القنابل غير الموجهة والقنابل العنقودية، حتى داخل المناطق الحضرية. وبالمثل، وثقت "منظمة العفو الدولية" استخدام قنابل بوزن 2000 رطل في المناطق المدنية الكثيفة لضرب المنازل غير المأهولة من كبار أعضاء عشيرة صالح، مما تسبب في مقتل عدد لا حصر له من المدنيين.
وقد وُجهت انتقادات أيضاً لخيارات مستهدفة أخرى. ووفقاً لـ "مرصد حقوق الإنسان"، قُتل خمسة وستين مدنياً في مكان لسكن العمال بالقرب من "محطة المخا البخارية لتوليد الطاقة الكهربائية" في 24 تموز/يوليو عندما ضربت غارة جوية شنها الإئتلاف، المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر من دون سبب منطقي عسكري واضح - وادعى فريق الرصد بأنه لم تكن هناك أي قوات مسلحة في المحطة ولا حتى في موقع الدفاع الجوي المهجور الواقع على بُعد 800 متر. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر أدلة متزايدة أنه تم استهداف محطات الطاقة والمصانع بصوة متعمدة للحط من مستويات معيشة المدنيين في مناطق الحوثيين.
ولم ينج التراث الثقافي اليمني من الضربات الجوية التي توجهها قوات التحالف على أهداف عسكرية ومدنية قريبة من المواقع التاريخية. فقد تعرضت مواقع "التراث العالمي" التابعة لـ "اليونسكو" مثل "مدينة زبيد القديمة" و"قلعة القاهرة" ووسط صعدة التاريخية لعدة ضربات متكررة. وهو الأمر بالنسبة للأحياء القديمة من صنعاء والمكلا وتعز.
وفي مكان آخر، تم تدمير "المتحف الوطني" في ذمار و"مركز التراث اليمني" في عدن، إلى جانب عدد كبير من القطع الأثرية من المنطقة. التداعيات السياسية تُعد الحملة الجوية لقوات التحالف انتكاسة مثيرة للقلق تعود بنا لأنواع العمليات التي شنتها عدة بلدان قبل ضربات "حرب الخليج" المحكمة في عام 1991.
وتمثل بعض خيارات الاستهداف جهوداً مشروعة للإكراه، مثل ضرب الوحدات الموالية للحوثيين وممتلكات القادة المنحازين لعلي عبد الله صالح. إلا أنه يبدو أن الحملة تركز أيضاً وبصورة واعية على تعميم العقوبات على المدنيين، وخاصة في العمليات الانتقامية التي أعقبت الهجمات الحدودية التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية.
وقد يكون استهداف المدنيين القاتل غير متعمد، وإنما نتيجة حتمية لاستخدام القنابل الكبيرة أو الأسلحة العشوائية بشكل مفرط في المناطق المأهولة بالسكان. ويبدو أن التحالف عاجز عن العثور على الأهداف الحاسمة التي يلزم ضربها مثل قيادات العدو، والصواريخ، وقوافل القوات، وأنظمة المدفعية المتنقلة. ونتيجة لذلك، تنفق الحملة الجوية الكثير من الوقت في ضرب ما يمكنها العثور عليه، وليس العثور على ما تحتاج ضربه. لقد مرت الولايات المتحدة في مشاكل مماثلة خلال عملياتها الجوية الخاصة على مدى السنوات القليلة الماضية لتتجه نحو الاستهداف الأكثر دقة وعمليات التخفيف من الأضرار الجانبية.
ونظراً لكون سلاح الجو الأمريكي أقرب شريك لقوات التحالف الجوية التي تشن غاراتها على اليمن، فيلزمه إسداء بعض النصائح الحازمة لمخططي الحملة، لعل أهمها: أن الحرب الجوية تُظهر أعضاء التحالف بمظهر الأشرار، وتمنح الحوثيين وطهران [الفرصة] للترويج لمزاعم الانقلاب، وتهدد بتلطيخ سمعة أي سابقة إيجابية قد تولدها هزيمة القوات التي تدعمها إيران.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون "الحملة الجوية الاستراتيجية" على صعدة أدق من ذلك بكثير، وأن تعمل تحت مظلة الحرب الشاملة بدلاً من اتّباع نهج الردود الانتقامية. فالمملكة العربية السعودية قد تعجز عن ردع الحوثيين من خلال [فرض] هيمنة التصاعد عبر شن غارات جوية على إقليمهم؛ وفي المقابل قد تحتاج إلى من يساعدها في مكافحة التسلل ومكافحة المدفعية ومكافحة الضربات المضادة لصواريخ أرض -أرض بالقرب من الحدود. كما بإمكان الولايات المتحدة مساعدة القوات اليمنية الموالية للحكومة على استخدام الضربات الجوية لطرد عناصر تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» من القواعد التي استولت عليها. وعلى نطاق أوسع، تستطيع واشنطن مساعدة التحالف في مواجهة المرحلة المقبلة الملحة من الحملة الجوية ألا وهي: تقديم دعم جوي متميز وفعال للأرتال القتالية المتنقلة من القوات اليمنية والإماراتية أثناء تقدمها نحو الشمال.
ويقيناً، لا يمكن للولايات المتحدة في الوقت الحالي الاستغناء عن [استخدام] المتحكمين بالضربات الجوية الآنية أو قدرات المراقبة؛ فهي بحاجة ملحة لهما في العراق وسوريا وأفغانستان. مع ذلك، ربما تملك القوات الجوية الأمريكية ومجتمع الاستخبارات الأمريكي محللي نظم أهداف مقيمين في الولايات المتحدة ربما يساعدون في إعادة ترتيب قائمة الأهداف المتكاملة المشتركة ذات الأولوية للحرب الجوية اليمنية والتأثير في عميلة اختيار الأهداف والأسلحة لتقليل الأضرار الجانبية. وسيوجه لواشنطن على الأقل بعض اللوم عن أي تحركات ينفذها التحالف الذي تقوده السعودية في هذه الحرب، ولذا قد تشارك وزارة الدفاع الأمريكية في التأثير على النتيجة.
مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن. الكسندر ميلو هو المحلل الرئيسي للشؤون الأمنية في الخدمات الاستشارية للطاقة في "هورايزن كلاينت آكسيس".