فئة المهمشين في اليمن.. حياة في كنف العزلة والحرمان (تقرير)
- أكرم ياسين الثلاثاء, 03 أغسطس, 2021 - 05:43 مساءً
فئة المهمشين في اليمن.. حياة في كنف العزلة والحرمان (تقرير)

[ المهمشون في اليمن معاناة وحرمان ونبذ المجتمع ]

قذفت بهم الأعراف والتقاليد والتمايز الطبقي والعرقي خارج أسوار المجتمع مجردين من أبسط حقوقهم الإنسانية، لا يملكون غير ثلاث وسائل دونية للعيش وبشرة سمراء وعيون مشرغة بألوان شتى من الغبن.

 

"الموقع بوست" زار بعض مساكن المهمشين في ريف محافظة تعز (جنوب غربي اليمن) وخرج بهذا التقرير الذي يسلط الضوء على حياة منسية لأناس يعيشون في كنف العزلة والحرمان.

 

هذه المساكن المتواضعة المتناثرة فوق أرض لا يملكونها، والمفتقرة لكل ما يليق بالإنسان للعيش الكريم في عزلة بني شيبة الشرق في ريف تعز تعرف بقرية "الأخدام"، وهي كلمة تلخص النظرة الدونية لشريحة كبيرة من المجتمع اليمني.

 

ثلاث مهن للعيش

 

لا يمتلك هؤلاء المهمشون أراض زراعية أو عقارات ولا يملكون حرية العمل والاندماج في المجتمع على غرار بقية أفراد المجتمع، كما أن حظهم في التعليم محدود لا يتعدى مرحلة الثانوية العامة إلا نادراً، فالتمييز العرقي بين قبيلي وخادم ضرب سياجاً لا إنسانياً بين الفئتين.

 

 

تنظيف الشوارع، وإحياء حفلات الزفاف لأبناء القبائل وخدمتهم، بالإضافة لمهنة خياطة الأحذية (الإسكافية)، مهن ثلاث يمارسها أفراد شريحة المهمشين، ومن خلالها يكسبون رزقهم.

 

يقول على عريمان (43 عاماً) لـ"الموقع بوست" إن المهمشين يعانون تمييزاً اجتماعياً مجحفاً ومحرومون من حقوق المواطنة نتيجة ثقافة تمييزية متوارثة مغلوطة في المجتمع اليمني نبذتهم في هامش الحياة دون مراعاة لكونهم بشراً لهم مثل غيرهم حقوقهم الإنسانية دون امتهان لكرامتهم.

 

ويضيف علي -بحسرة- أن خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم قال: "لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى"، متابعا بالقول: "فالله خلق الناس سواسية كأسنام المشط، وهذ الحديث النبوي الشريف يكاد يكون الوحيد الذي لا نعمل به نحن المسلمين".

 

"علي" هو الوحيد  من بين حوالي ثلاثة آلاف مهمش ومهمشة في هذه المنطقة الذي لديه وظيفة حكومية إذ يعمل مدرساً في مدرسة القرية.

 

بدورها تصف المهمشة ليمون عبد الله (52 عاماً) لـ"الموقع بوست" معاناتها قائلةً: "منذ صغري لقنوني أنني (خادمة) والخادم في نظر الناس وعرفهم إنسان ناقص لا يحق له المطالبة بالمساواة، وإنما خلق ليخدم أسياده من القبائل".

 

 

تكسب المهمشة "ليمون" قوت يومها كما أخبرتنا من عملها في تنظيف المنازل وزرائب الحيوانات وإحياء حفلات الزواج.

 

العرف هو المشكلة

 

عن دور منظمات المجتمع المدني في الحد من ظاهرة التمييز التي تعاني منها شريحة المهمشين تقول "عفاف مكي" مديرة مؤسسة الفؤاد للسلام والتنمية: "مع الأسف أن شريحة المهمشين أو الأخدام كما تسميهم الثقافة الاجتماعية في اليمن، يعانون تمييزاً عرقياً واجتماعياً يصعب إنكاره".

 

وتستطرد "عفاف مكي": "رغم أن دستور الجمهورية اليمنية والقوانين المشرعة تتحدث عن أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، إلا أن الممارسة العملية والواقع تقول عكس ذلك والسبب يرجع إلى الأعراف الاجتماعية المتأصلة والمتوارثة منذ عشرات السنين والتي تنظر إلى شريحة المهمشين باعتبارهم ناقصي أصل لا يجوز مساواتهم بالقبائل".

 

ونوهت في ختام حديثها لـ"الموقع بوست" إلى أن مؤسستها أقامت العديد من الدورات التثقيفية لمحاولة التوعية بحق شريحة المهمشين في العيش بكرامة والمساواة بعيداً عن النظرة الدونية الخاطئة والمجحفة، إلا أن القضية في نظرها أكبر بكثير، ومعالجتها تحتاج إلى ثورة وعي عامة.

 

تجربة زواج ناجحة

 

عند زيارتنا لمنطقة سكن المهمشين في عزلة بني شيبة الشرق في تعز، اطلعنا على تجربة زواج ناجحة كسرت سياج العرف العازل ومثلت نموذجا جديرا بالتشجيع لزواج مهمشة بقبيلي.

 

 

يتحدث عبد الكريم قاسم (48 عاماً) عن تجربة زواجه من مهمشة بسرور وارتياح، معتبراً الأمر لا يدعو للغرابة، ولا مخالفاً للشرائع، بل على العكس من ذلك تماماً فالمهمش إنسان ظلمته الأعراف وثقافة مجتمعية مجحفة، حد قوله.

 

ستة أطفال هم ثمرة زواج عبد الكريم من مهمشة وأسرة سعيدة جعلت كل الذين استنكروا عملية الزواج عند حدوثها يخففون من وطأة نظرتهم الدونية لبشر لا يختلفون عنهم سوى ببشرة سمراء لأناس قلوبهم بيضاء ويحلمون بالعيش بكرامة وسلام.

 

ووفقاً لعبد الكريم فالحب لا يعرف دينا أو عرقا أو لونا أو مكانة اجتماعية، ستظل فكرة قبولك عزومة الغداء في منزل مهمش وتناول الطعام معه محل دهشة واستغراب وفقاً للثقافة الاجتماعية المتوارثة لدى أغلب اليمنيين، بيد أن الأمر لا يتعلق بضيم تلك الثقافة وعنصرية الأعراف، ولكن يرتبط أيضاً بحالة الاستسلام التي استمرأها وارتضاها المهمشون لأنفسهم، ولو أدركوا أن معاناتاهم تحتاج فقط لـ"مارتن لوثر كنج" يمني تنجبه مساكنهم البائسة لكان وضعهم أفضل بكثير دون شك.


التعليقات