[ تضمنت الحلقة العديد من المواقف داخل وخارج اليمن - الموقع بوست ]
كونتُ علاقات مع زملائي الأردنيين، يستضيفني كل جمعة طالب، جمعة في الزرقاء، وجمعة في الكرك، أشاهد من قلعة صلاح الدين قبة الصخرة، جمعة في اربد، وأخرى في البحر الميت، أشاهد حدود التماس مع إسرائيل.
وكل لجنة طلابية تنظم رحلة تستدعيني لمرافقتها كي أطلع على مناطق الأردن، رحلة إلى الحمة السورية على حدود الجولان، وفيها مياه معدنية، ورحلة إلى حمامات ماديا.
أما عطلة الأعياد الدينية فكنت أرفض الاستضافة، حتى أتيح للزملاء الاستمتاع بالعيد مع أسرهم، فأرحل وحدي إلى خليج العقبة على بعد 350 كم من عمان، وفي العقبة شاهدتُ مدينة عامرة، فاتجهت نحوها، فاعترضني شرطي سائلا: وين رايح؟، قلت له العقبة، ليرد: أنت الآن في العقبة متجه إيلات، إذا اقتربت من الأسلاك الشائكة "بيطخوك"، وبعد التحقيق والتأكد من جهلي أطلق سراحي.
اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب يتذكر: كنتُ وكانت تعز .. ذكريات عن الدور المصري والزخم الثوري والمركز الإسلامي
وعيد آخر قضيته في البتراء، وهي مدينة أثرية في الجنوب "كانت عاصمة الأنباط"، على بعد 220 كم من عمَان، إلى معان ثم تكسي إلى وادي موسى، ومنه أخذت حصانا لدخول البتراء والتجول فيها، والمواصلات كانت رخيصة في الأردن، والإسفلت إلى كل قرية.
نقاش ساخن حول اللحية
في الإجازة بين الفصلين الدراسيين، أي بين الترمين، وما نسميه إجازة نصف السنة، تم الإعلان عن رحلتين خارج الأردن، وعلى الطالب أن يسجل في إحداها، إما إلى الكويت، أو إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، فسجلت في العمرة، واللجنة المشرفة تستوفي كل شيء بما فيها تأشيرة السفارة السعودية.
انطلقنا على باص سياحي، ومعنا أربعة دكاترة يشرحون كل شيء، خرجنا الساعة الثالثة عصرا من عمان، وصلنا منفذ السعودية مع صلاة الفجر، خرجنا من المدورة "المنفذ الأردني" مع أذان الفجر، ودخلنا حالة عمار - منفذ السعودية - واسترحنا فترة بسيطة لتناول الفطور، وانطلقت الرحلة إلى تبوك، ثم تيماء التي وصلناها ليلا وبردها قارس، تناولنا العشاء، وانطلقنا نحو المدينة المنورة، فوصلنا آبار علي وقت الضحى، وما وصلنا مكة إلا في الليل.
أدينا شعائر العمرة، ولله الحمد، وذهبنا إلى المعابدة، حيث السكن المعد لنا، بقينا في مكة خمسة أيام، منها يوم نقاش ساخن بين الدكاترة الأردنيين ودكاترة سعوديين حول اللحية، واستمر النقاش حتى منتصف الليل، هل اللحية من أسس العقيدة، أم مظهر شخصي، هل هي مظهر إسلامي، أم مظهر عربي؟
مؤتمر عالمي بالمدينة المنورة
ودعنا مكة المكرمة، وانطلقنا إلى المدينة المنورة، أدينا فيها مراسيم الزيارة، وخيمنا حول الحرم النبوي الشريف.
اقرأ أيضا: مقبل نصر يتحدث عن: إنشاء منتزه تعز وأول انتخابات نيابية وجدل إنشاء البنك المركزي
كانت المدينة تعيش فعاليات المؤتمر العالمي للدعاة، فحضرنا فعالية في الجامعة الإسلامية، وهي محاضرة للمفكر الإخواني محمد قطب، حول الشكوك والشبهات التي تثار حول الإسلام.
محمد قطب
طالب قطب الدعاة بتركها وعدم الانشغال بها، لأن الذي يشكك يمكن أن يواصل شكوكه يوميا، ولن يستفيد من ردك، وقال حينها: "لذلك اعتذر عن كتابي شبهات حول الإسلام ولن أعيد إنتاجه، المطلوب عرض الإسلام كما هو فالحقيقة أبلغ من التشكيك".
في المسجد النبوي لقيت شابين من شباب المركز الإسلامي في تعز يدرسان في المدينة، وهم أحمد قائد الصبري، وحسن الحسام، قلت لهما من الآن نلزم الشيخ عبدالمجيد الزنداني، بحذف الردود على الشبهات في كتبه، وإذا بالزنداني خلفي يسمع كلامي، ولم أكن أعرف، فقال: "ليس المطلوب أن نهملها وإنما ألا تكون شغلنا الوحيد".
أبلغتهم أني أدرس في الأردن، وحضرتُ مع الزملاء لأداء العمرة، وذاك مخيمنا، وعرفتهم على الطلاب الأردنيين، وأراد زملائي اليمنيين استضافتي وإعادتي الصباح إلى المخيم، وقال الزنداني: "بل أستضيفه أنا، غرفتي في فندق الرحاب واسعة، وبها عدة سرر، على الأقل يواخيني الليلة ونتناقش حول بعض الأمور، فوافقت".
وفي المساء انشغل الزنداني مع مسلم ألماني حضر المؤتمر، ويريد أن يسجل معه مقابلة في جهاز التسجيل "مسجلة" حول لماذا أسلم، وكيف أسلم، وماذا وجد في الإسلام؟ وظل معه إلى بعد منتصف الليل، ولم نتناقش بشيء، وفي الصباح انطلق باصنا نحو الأردن عائدين.
أثناء العودة في الطريق ونحن في الباض، بقيتُ شارد الذهن، أفكر في كلام الألماني مع الزنداني، هل إسلامي يزيد الإسلام عظمة عندكم، أم كلامي في مدحه يجعلكم تعظمونه؟
مناظرة الزنداني والمدرس اللبناني
كانت الجامعات في كل مكان تستقطب رجال الفكر من كل الاتجاهات، لإلقاء محاضرات، وذات مرة في الجامعة بالأردن، جاء محمد قطب، وألقى محاضرة فكرية عامة، وعند المناقشة قال له دكتور، وهو يشير نحوي: هذا من اليمن الشقيق.
عبدالمجيد الزنداني
قال قطب: أهلا باليمن السعيد، متى أطلق عليها لقب اليمن السعيد؟ فرديت عليه: أثناء حكم النسوان، الملكة بلقيس والملكة أروى، فضحك وضحكنا، وكان غيره الكثير يأتون لإلقاء المحاضرات.
تعرفتُ أيضا على الدكتور يوسف العظم، صاحب مدارس الأقصى الأهلية، وكنا في تعز نردد أناشيده للأطفال:
بني توضأ وقم للصلاة
ففي طاعة الله سر النجاة
ومرة حدثت مناظرة بين الدكتور يوسف وأحد المسيحيين المنتمين للتيار القومي على مدرج الجامعة، قال المسيحي: يا دكتور يوسف، من أقرب لك، أنا الأردني العربي المسيحي في الأردن أم المسلم الذي في باكستان، الذي لا يربطك فيه شيء، لا لغة ولا جغرافيا ولا وطنية؟، ورد يوسف العظم بالقول: "أرد لك نفس السؤال، من أقرب لك، أنا أم البابا في الفاتيكان؟".
اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب يسرد ذكرياته عن بدايات التعليم في تعز ورد المخلافي على مذيع في عيد الثورة
وهذا ذكرني بالمناظرة التي تمت بين الشيخ عبدالمجيد الزنداني، ومدرس الانجليزي اللبناني في مدرسة عبدالناصر، في صنعاء عام 1972، فبعد انتشار خبر بأن المدرس اللبناني، يوزع الإنجيل على الشباب في صنعاء، ويشرحه لهم في جلسات دينية، في بيت سكرتير السفارة الإثيوبية، وبعد حملة على السفارة في منابر المساجد، استدعى السفير الإثيوبي، الخطباء وأنا موجود معهم، إلى بيته، واستدعى السكرتير يحقق معه أمامهم، فاعترف بأن اللبناني هو صاحب النشاط، وأنه ساعده بشكل شخصي، وليس باسم السفارة، وبدون علمها.
يوسف العظم
تم استجواب بعض الشباب الذين كانوا يحضرون جلسات التبشير عن أسباب دراستهم للمسيحية؟ فقالوا: مقصدنا لو يوزعوا "زلط" نستفيد منهم، ونبقي على ديننا.
أما مناظرة اللبناني مع الزنداني فحدثت في ساحة المدرسة، قال اللبناني: لا يمكن أن تقنعني يا زنداني أن الإنجيل محرف إلا من الإنجيل وليس من القرآن؟ فقال الزنداني: اسم المؤلف مكتوب عليه، لوقا، متى، يوحنا، وفي خضم النقاش قال اللبناني: "أنا انسحب، لست قسيسا متخصصا وما عندي العلم الكافي كي استمر معك".
قصة زواج لم يتم
أقمتُ علاقة مع طلاب عرب وأجانب، وكان لدي أصحاب من طلاب الصين يدرسون لغة عربية في الأردن، ورافقتهم في رحلة إلى سوريا ولبنان، في الإجازة بين الفصلين في عام 1978، حيث طفنا لبنان كله من شماله إلى جنوبه في يوم واحد، رغم المتارس والحواجز الأمنية والقوات العربية.
اقرأ أيضا: مقبل نصر يتحدث عن وفاة المخلافي وسقوط صعدة بيد الملكيين واعتقال ياسين عبدالعزيز
وأقمتُ علاقة مع دكاترة في كلية الآداب منهم الدكتور الشاعر فواز طوقان، أخ الشاعرة فدوى طوقان، والدكتور عبدالمجيد المحتسب، أدب عربي نقد وتحليل، واستفدتُ منهم كثيرا في المجال الأدبي.
وزارنا شخص من منطقتي، عمه مقيم في الأردن، ومعه تجارة منذ نصف قرن، والتقينا على مأدبة غداء، وطلب مني أن أتزوج واحدة من بنات عمه، فاعتذرت له لأن ما عندي إمكانيات مادية، فقال لي إن هدفه هو ربط عمه بواحدة من بناته في اليمن، كي يتمكن من زيارتها ولو مرة في السنتين، وينقل بعض تجارته إلى تعز.
علي عبدالله صالح
ووعد بالتكفل بمصاريف الزواج، ولم يتم الزواج، لا يوجد نصيب، ومع ذلك لم أسلم من الإشاعات، التي كان هو وراءها، بأني قد تزوجت في الأردن وقد معي طفل.
وصلتنا عدة رسائل، من الأهل والأقارب والأصدقاء، بعضها تهاني وبعضها عتاب، كوني ورطت نفسي بالزواج من واحدة عائلتها في الخارج، وحملت نفسي تكاليف مالية أنا في غنى عنها عندما تكون تزور أسرتها سنويا، وتعبت وأنا أرد عليهم، وأوضح الحقيقة.
هاشمي لا يدعي الحق الإلهي
قرأتُ الكتاب الذي ألفه الملك حسين بعنوان "مهنتي كملك"، يقول فيه إن عمله وظيفة سياسية في إدارة شؤون الأردن، ومن حق المجتمع الأردني أن يعزله إذا قصر في عمله، ولم يقل إنه حق إلهي، ولا ولاية بالنسب.
اقرأ أيضا: مقبل نصر في حلقته السادسة يكتب عن: مواقف من حياة البيحاني والفريق العمري واغتيال مشائخ خولان
وكل خطاباته السياسية تتحدث عن مستقبل الأردن والأمة العربية والإسلامية، لا يلعن الماضي، ولا يبدأ خطابه بالسقيفة وبني أمية أبدا، والإعلام الأردني مشغول بالأردن ومتطلباته ومشكلاته وإنجازاته، لا يشغله أي شغل بالماضي، بل يستعير للملك أناشيد عبدالناصر مدبلجة مع صوره، إن أراد أن يمدحه، مثل أنشودة:
لبيك يا علم العروبة... كلنا نحمي الحمى
الحسين بن طلال
يحتفل الأردن باليوبيل الفضي لولاية الحسين (مرور 25 عاما) وأنشودة اليوبيل الفضي التي اعتمدتها اللجنة العليا للاحتفالات، وتم تلحينها وترديدها في وسائل الإعلام، ليس فيها تقديس، ولا يا ابن النبي.
وقد طلبت اللجنة تكليف فريق من الطلاب لتأدية الأنشودة في حفل تخرج الطلاب بدلا من إذاعة تسجيلها، وكنتُ ضمن فريق الإنشاد في حشد كبير حضره الأمير حسن "ولي العهد" ومن كلمات الأنشودة:
معه وبه إنا ماضون
فلتشهد يا شجر الزيتون
قد أحببناه وبايعناه
وزرعنا الراية في يمناه
أما الحريات في الأردن فكانت مكفولة، ما عدا التهجم على الذات الملكية، باعتباره رمز الأردن الوطني، لا باعتباره الهاشمي.
بنى الملك الأردن من الصفر، من الصحراء، وبيوت الشعر البدوية، إلى دولة النظام والقانون، لا تفرق بين المواطنين في شيء، ولا يستثني القانون أحد، الكل سواء أمام القانون، دولة علمية تكنولوجية وتنموية في كل المجالات.
متغيرات في صنعاء وعدن
كنتُ أدرس في الأردن، وأتابع المتغيرات في صنعاء، منها تكوين مجلس الشعب التأسيسي، بقرار جمهوري، برئاسة القاضي عبدالكريم العرشي، وفي المجلس شخصيات من مختلف القيادات، والثقافات، ورجال الثقل الاجتماعي، والخبرات السياسية والاقتصادية.
وقد "قرح رأس" الذي شكل المجلس بشنطة عدنية، واستفاد من المجلس من ترشح بعده.
عبدالكريم العرشي
تواصلتُ مع بعض الإخوان لمعرفة ما إذا كان لديهم معلومات حول الشخص المرشح للانتخابات، ومعظمهم كان لديه أخبار بأنه سيكون علي عبدالله صالح، وبعضهم قال إنه رجل شجاع، وليس مهم يكون متعلم ومثقف، سنعمله نحن.
وتابعتُ أحداث تعز بألم وحسرة، لما حدث في تربة ذبحان من تصفيات لوجهاء تعز ورموزها ضمن مخطط قذر لإذلال تعز وتطويعها.
كما تابعتُ أيضا أحداث عدن الدامية للإطاحة بالرئيس سالم ربيع علي، وعجبتُ كيف استطاع أتباع عبدالفتاح إسماعيل، تدمير معسكرات سالم ربيع، بكل قواتها ومعداتها وتدريبها.
عبدالفتاح اسماعيل
وفي عام 1978، تولى عبدالفتاح إسماعيل، القيادة في عدن، وأعلن عن الحزب الاشتراكي اليمني، ومن طراز جديد "هكذا كانوا يعلنون"، وفتحت تعز ذراعيها للهاربين من طراز جديد أيضا.
اقرأ أيضا: مقبل نصر في حلقته الـ10 يتحدث عن تعيينات الإرياني للإخوان في التربية والهاشميين في السفارات
وحدثت الحرب بين الشطرين في عام 1979، وكان هدفها الأكبر هو إضعاف الشطرين، وجزء من مخطط انتقامي من المؤتمر الرباعي الذي نظمه الرئيس إبراهيم الحمدي، في تعز عام 1977، وحتى لا يفكر شطر يمني أو كلاهما، في باب المندب والتحكم في الملاحة الدولية، وربما أدركوا هذا الهدف متأخرين، فتم إيقاف الحرب والتفاوض في الكويت لاستئناف مفاوضات الوحدة اليمنية وتنشيط لجانها.
يتبع في الحلقة القادمة.
*خاص بالموقع بوست.
