[ تطرق الرئيس علي ناصر محمد إلى العديد من المحاور والقضايا والمستجدات في اليمن ]
الحوار مع شخصية سياسية مخضرمة كالرئيس علي ناصر محمد هو حوار مع التاريخ والسياسة، بل حوار مع الوطن، بكل محطاته وجغرافيته وأحداثه وشخصياته.
فالرجل من الشخصيات التي عاصرت أحداث الماضي والحاضر، وكان شاهدا على العديد من المحطات، وانتهج نهجا مميزا، ولم ينحصر عطائه على إنجازه خلال عمله الحكومي والسياسي، بل نقل تجربته للجيل الجديد، عبر المؤلفات والمذكرات التي كتبها، وكذلك إسهامه في خدمة الثقافة والتاريخ والأجيال من خلال المركز الذي تراسه، ثم من خلال مسيرته التي امتازت بالاتزان والحصافة.
لذلك ستحتار من أين تبدأ معه، وما الأسئلة التي يمكنك طرحها عليه، هل عن الماضي بتفاصيله الكثيرة والشائكة، أم عن الحاضر بأحداثه المتلاحقة والمتداخلة، وهل ستحاوره عن علي ناصر محمد الرئيس، أم علي ناصر محمد المتابع بدقة لتفاصيل المشهد في اليمن والمنطقة، أم علي ناصر محمد المؤلف والمؤرخ المترأس لواحد من أهم مراكز الأبحاث العربية العتيقة.
في هذا الحوار يدهشك الرئيس علي ناصر محمد بإلمامه بالوضع في اليمن، وإدراكه لمكامن الخطأ والصواب، وصراحته في الحديث، ودبلوماسيته المعهودة في الطرح، وحضور اليمن الكبير في تفكيره، وترفعه عن الخوض في الجدل واللامفيد.
طرحنا له العديد من المحاور والأسئلة، عن الوضع الراهن، وعن الأطراف المتواجدة في الساحة محليا وخارجيا، والدور الخارجي والأممي، واليمن بشماله وجنوبه، فأجاب عنها جميعا، في هذا الحوار الحصري الذي ينشره الموقع بوست ضمن سلسلة الحوارات التي استضاف فيها العديد من الشخصيات اليمنية الفاعلة والمؤثرة.
إلى الحوار:
المجلس الرئاسي
*فخامة الرئيس تابعتم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن كيف ترون هذه الخطوة، وهل ستسهم فعلا في إخراج اليمن من وضعه الراهن؟
**بعد ثمان سنوات من الحرب العاصفة دون ظهور أي أفق للحل، والتي نبهنا الى خطورتها ورفضنا لها، وحذرنا من تداعياتها على اليمن والمنطقة، منذ الساعات الأولى، كان لا بد من البحث عن حل للمأزق الذي وصل اليه الجميع، فداخل الحرب الكبيرة نشأت حروب وزعامات ومليشيات تملك الأرض والسلاح، وشرعية تعيش في الخارج تتسرب الأرض والدولة من بين يديها، وتضيع البلاد.
كانت كل الطرق منسدة أمام التحالف والشرعية التي تدعمها، فكان لا بد من مخرج، وقد وجد أصحاب العقد والربط أن الحل يكمن في ترتيبات انتقالية تفتح أفقاً نحو وقف الحرب والحل السلمي، وقد رأينا موافقة الاطراف على هدنة شهرين، ونأمل أن تسهم هذه الخطوة المهمة في فتح باب الحوار، ووقف الحرب، وإخراج اليمن من وضعه الراهن، وقد رحبنا بهذه الخطوة.
*بحكم سنوات عملكم وخبرتكم السياسية وإدراككم لطبيعة الأوضاع في اليمن ما النصيحة التي يمكن أن توجهوها لمجلس القيادة الرئاسي؟
**لا أريد أن أكون في موقع من يسدي النصيحة للمجلس الرئاسي، ولكن لو كنت مكان المجلس لوضعت ترتيبات انتقالية تسعى لدستور جديد في نهاية الفترة الانتقالية تؤدي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في الأخير.
*من أين يمكن أن يبدأ مجلس القيادة الرئاسي؟ وماهي الملفات ذات الأولوية التي يفترض أن تكون محور اهتمامه أولا؟
**أعتقد أن الأولوية تكمن في تعزيز الهدنة واستمرارها، والشروع في حوار مع كافة القوى المؤثرة في المشهد لوقف الحرب، واستعادة الدولة، وتحقيق الاستقرار، وحل قضايا ومشاكل المواطنين، من غذاء وماء وكهرباء وخدمات، والأمن بمعناه الحقيقي، كل هذه أولويات وتتسق مع حق الوطن، وحقوق المواطن، من حرية وكرامة إنسانية.
الناس تعبت من الحرب، وآثارها المدمرة على حياتهم ومعيشتهم، ومن سوء وانعدام الخدمات، وتنتظر الكثير من المجلس، وتتمنى أن يؤدي التغيير الذي حدث إلى تغير في حياتها، والمشهد عموماً، وينقلها من حالة الحرب الى حالة الامن والاستقرار والسلام، الأمر ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً أيضاً، طالما توجد الإرادة والرغبة.
*ما هي فرص النجاح وعوامل الإخفاق التي ترونها في طريق مجلس القيادة الرئاسي؟
**لا يخفى على المتابع للوضع في اليمن، أن أوضاعه معقدة جداً، ومحمل بالأثقال من كل نوع، وطني وسياسي واقتصادي واجتماعي ونفسي وفكري، وحتى المصيري والوجودي، وهي أثقال ليست بالهينة، وهناك قوى عديدة محلية وخارجية لها مصالحها، وكل هذا يُصعّب من فرص النجاح وأسباب الإخفاق.
أبين والرئيس هادي
*كيف تنظرون لطريقة إزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي من موقعه كرئيس جمهورية بعد كل ما قدمه، وتعرض له؟
**لم أكن أريد للرئيس عبد ربه منصور هادي هذه النهاية، ولا أحد من اليمنيين كان يريد له ذلك، لكن أعتقد أن رئاسة عبد ربه منصور سقطت يوم خرج من صنعاء، وهرب إلى عدن متراجعاً عن استقالته، ثم هرب من عدن مرة أخرى، هذه الرئاسة انتهت حين فضل العيش في الخارج كل هذه السنوات وفقدت شرعيتها، لا أحد يستطيع أن يحكم الشعب اليمني من الخارج، وكان بمقدور هادي أن يتحرك، أن يفعل شيئاً لوقف الحرب، وإنقاذ بلاده وشعبه، لكنه لم يفعل، فكان على الأخرين أن يفعلوا ذلك على تلك الطريقة.
*ماذا عن أبين بعد إزاحة هادي من السلطة، هناك أصوات تشير إلى تعمد إقصاء أبين من الواجهة وتهميشها واستهدافها وتقليص حضورها في الدولة؟
**لا أدري من أين نشأ الانطباع بأن هادي كان يمثل أبين؟ هادي كان رئيساً لكل اليمن، بصرف النظر عن المكان الذي ينحدر منه، وجاء بانتخابات لم يكن له فيها منافس، وقاطعه الجنوب، وكانت فترته الانتقالية قد انتهت وتم تمديدها، ولا أحبذ هذه المعايير في تصنيف الرؤساء، ببساطة على الرئيس أيا كان ومن أي مكان أن ينتمي إلى الوطن.
*لكنكم وجهتم رسالة للأمين العام للأمم المتحدة حذرتم فيها من خطورة الاقصاء والتهميش ودعوتم لإشراك كل المحافظات بالقرار وفي هيئات مؤسسات الدولة، ما دوافع هذه الرسالة؟ ومن يقف وراء التهميش الراهن لأبين، وبماذا تفسرون ما تتعرض له أبين اليوم؟
**بصراحة الوطن أكبر من مثل هذه التفرعات والتقسيمات، نحن اليوم أمام خطر داهم يهدد مصير اليمن ووحدته وسلامة أراضيه، وعلينا أن نواجه هذا الخطر، ونوجد الحلول لتعقيدات الأزمة اليمنية وهي كثيرة، ولا يمكن اختزالها في رئيس ذهب، أو مجلس جاء، الدستور والانتخابات والصندوق وحقوق المواطنة المتساوية هي التي سترسم في الأخير المشهد الذي سيكون عليه اليمن بدون تهميش لأحد.
الوحدة اليمنية
*بمناسبة ذكرى تحقيق الوحدة اليمنية التي تحل ذكراها الثانية والثلاثون وكان لكم دورا كبيرا في اتفاقياتها بين الشطرين سابقا، ما قراءتكم للوحدة اليمنية في ذكراها اليوم؟ وأين أصابت وأخطأت الوحدة اليمنية؟ ولماذا عاد الجدل اليوم حولها بعد عقود من تحقيقها؟
**بداية أتقدم بخالص التهنئة إلى شعبي اليمني بمناسبة الذكرى الثانية والثلاثين، والتي تحققت سلماً في 22 مايو 1990م، ومن المؤسف أن الوحدة تمر اليوم بمأزق صعب واليمن كلها بوضع معقد جداً.
هذه حقيقة ويجب أن نعترف بها، هناك أزمة حقيقية، لكن ليست الوحدة كهدف عظيم ونبيل حققه الشعب اليمني وقواه الوطنية عبر نضاله وتضحياته طوال زمن هي المسؤولة عن الأخطاء التي حدثت.
البعض عن عمد أو جهل يريد تحميل الوحدة هذه الأخطاء والسلبيات، الأخطاء يتحملها القادة الذين وقعوا على اتفاق الوحدة، كان نوعاً من الهروب الى الوحدة من مأزق كان يواجه النظامين في الشمال والجنوب، فقفزا نحو المجهول دون أن يضعا أساساً لصيانة الوحدة والحفاظ عليها، وعندما عجزاً عن تلبية استحقاقات الوطن والمواطن عبر مشروع وطني للبناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هرباً من الوحدة بالحرب والانفصال.
الطرف الذي انتصر في حرب صيف العام 1994م اعتقد أن نصره العسكري يعني نصراً سياسياً، وعدم حله آثار الحرب وإقصاء الشريك، الذي وقع معهم، عن السلطة والقرار والثروة، وعدم تمييزه بين الاشتراكي وشعب الجنوب، وتسريحه لعشرات الآلاف من عسكريين ومدنيين، كل هذا خلق ما عرف بالقضية الجنوبية، وهي قضية سياسية عادلة بامتياز.
وأدى تجاهل هذه القضية من قبل السلطة إلى الحراك الجنوبي الشعبي السلمي، الذي وُوجه بالقمع والعنف، وامتدت تأثيراته الى الشمال بثورة شباب التغيير في 11 فبراير، التي شملت الوطن بأجمعه، وبقية التداعيات معروفة من إزاحة الزعيم عن السلطة، ومجيء عبدربه، والحوار الوطني في موفنبيك، واندلاع حرب 2015 وأيضا ضد الجنوب بعد هروب عبد ربه إلى عدن، وهروبه منها واستدعاء عاصفة الحزم، أو إعطائها الشرعية.
*مع الأحداث التي شهدها جنوب اليمن منذ العام 2015م تشكل واقع جديد في بعض مدن الجنوب، من حيث التشكيلات العسكرية والأمنية وتواجد مؤسسات الدولة كالبنك المركزي وغيره، ارتفعت أصوات تطالب بالعودة للتشطير، والتراجع عن الوحدة، بل وجسدت ذلك ميدانيا من خلال العديد من السلوكيات، هذا الوضع دفع بالبعض للاعتقاد أن الوقت ملائم للانفصال، كيف تنظرون وتقيمون هذا الطرح؟ وما رأيكم بهذه الدعوات؟ وهل التراجع عن الوحدة اليوم يعد حلا وخيارا يناسب اللحظة؟
**لا الانفصال ولا الوحدة بشكلها الراهن يحلان الأزمة اليمنية، لقد جربنا في الشمال وفي الجنوب شكلاً منفصلاً للدولة، ثم رأينا أن وجود دولتين في الوطن الواحد لا يقدم الحلول لمشاكل اليمن المستعصية، وأن القوة والمنعة للشعب اليمني شمالاً وجنوباً تكمن في الوحدة، وخضنا في سبيل تحقيق هذا الهدف سنوات من الحروب في 1972 و 1979م وحروب المناطق الوسطى، وسنوات طويلة من الحوار وعمل اللجان الوحدوية في كافة المجالات وتوصلنا إلى صيغة المجلس اليمني الأعلى، والمشاريع المشتركة والمناهج الموحدة في التاريخ والجغرافيا وقدراً كبيراً من التنسيق في السياسة الخارجية، وأنجزنا مشروع دستور الوحدة، وكنا ذاهبين إلى تحقيق وحدة تدريجية تقبل الصمود وتحقق تطلعات الشعب اليمني، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن.
توجد اليوم مشكله حقيقية، وقضية جنوبية عادلة ينبغي الاعتراف بوجودها، وبضرورة حلها حلاً عادلاً يُرضي شعب الجنوب، لكن الحل من وجهة نظري يكون ضمن حل شامل للقضية الوطنية والهوية اليمنية، وليس عبر الانفصال والبحث عن هويات أخرى، يكون عبر البحث عن صيغ أخرى للوحدة، أعني الفيدرالية وهي أرقى أشكال الوحدة، ونجد أمثلة كثيرة لها في العديد من البلدان العربية والأجنبية، ومنها دولة الامارات، ودون ذلك فلن يبقى الجنوب جنوباً، ولا الشمال شمالاً، ناهيك عن أطماع نراها لقوى إقليمية ودولية تستغل أوضاع اليمن.
جنوب اليمن
*الوضع في محافظات جنوب اليمن اليوم يبدو معقدا وشائكا أكثر من أي وقت مضى، كيانات متعددة، وتشكيلات مسلحة، وجغرافيا مفككة، من المسؤول عن هذه الوضع؟ وكيف يمكن تسويته، وإصلاحه؟
**الوضع في الجنوب هو كما ذكرت فعلاً، أسباب عديدة أدت إلى هذا الوضع المعقد والشائك، منها المظالم التي لحقت بالجنوب بعد حرب 1994م وتراكمت، ولم تجد حلاً لها بكل أسف، ومنها غياب الدولة ونتائج حربين، والطبيعة كما هو معروف لا تحب الفراغ، وهناك عامل الارهاب الذي وجد في بيئة الفقر مناخاً مناسباً للتفريخ، وفي بعض المراحل كان الارهاب وتفريخه في الجنوب صنيعة السلطة نفسها، ثم فاقمت حرب 2015 التي تتداخل فيها عوامل محلية واقليمية في إيجاد تشكيلات مسلحة ساعد عليه غياب الدولة ومناخ الحرب.
تسألني عن الحل؟ الحل في الحوار، واستعادة الدولة برئيس واحد وحكومة واحدة وجيش واحد وإدماج كل هذه المليشيات والقوات في وزارة الدفاع الوطنية وضمن إمكانيات الدولة.
*هناك عدة تيارات وكيانات في مدن جنوب اليمن ترأسها قيادات جنوبية، تلتقي مع بعض في عدة رؤى، وتختلف في أخرى، ولكن يغلب عليها الصراع البيني، لماذا لا تتوحد تلك الكيانات وتنصهر في مكون واحد؟
**لا أعتقد ذلك، وليس ذلك هو المطلوب، نحن في الجنوب أو في الشمال، وبعد تجارب الحزب الواحد المؤلمة، نحتاج فعلاً الى التعدد والتنوع، المطلوب أن تتحول هذه الكيانات إلى كيانات سياسية في ظل دولة اتحادية ديمقراطية، الاختلاف حالة إيجابية في السياسة، شريطة ألا يؤدي الى الصراع والاقتتال.
*الاحتجاجات في الجنوب تندلع من وقت لآخر، بعضها حقوقية، وبعضها سياسية، وبعضها تطالب بالخدمات، لماذا هذا الاضطراب في الشارع الجنوبي الذي بات يعاني من وطأة الاقتصاد وتدهور الأوضاع؟
**أظنها مشروعة بعد كل ما لحق ويلحق بالجنوب من ظلم وغبن، وهذا لا يعني أن ليس هناك مظالم مثيلة في غيرها من محافظات الشمال، لكن الفارق أن المواطن في الجنوب فقد بعد الوحدة دولة الرعاية الاجتماعية، وزادت الحروب التي تعرض لها على مدى العقود الثلاثة الماضية، واختفاء الدولة ومؤسساتها وغلاء الأسعار بما لم يعهده، واختفاء الخدمات من حياته، هل تتصور أن الكهرباء دخلت عدن سنة 1928م ثم يجد المواطن في عدن وغيرها نفسه بدون كهرباء ولا مياه ولا صرف صحي ولا نظام صحي وتعليمي، وفوقه آفة انعدام الأمن والاغتيالات والاختطافات والسطو على الأراضي والممتلكات والمناطق الأثرية! ماذا تتوقع منه؟
عندما تحضر الدولة ومؤسساتها فإن المواطن الجنوبي أكثر من يلتزم بالنظام والقانون، وخلال 23 سنة من عمر الاستقلال لم تسجل حالة ثأر واحدة في الجنوب، وهذا مجرد مثال واحد فقط، وأعتقد أن هناك قوى ساهمت وتسهم في تدهور الاوضاع وتفاقم الوضع الاقتصادي.
*المجلس الانتقالي يقدم نفسه اليوم كممثل للجنوب، وحاملا للقضية الجنوبية، كيف تنظرون لهذا الطرح، وكيف تقيمون تجربة المجلس الانتقالي؟
**من الأفضل أن يقيم المجلس الانتقالي تجربته بنفسه، وفيه من القيادات والكفاءات ما يمكنه من ذلك، وليس المجلس وحده المعني بتقييم تجربته بين وقت وآخر، بل كل القوى والمكونات السياسية في الجنوب والشمال، أسوأ شيء في تجربة أي مكون أو قائد الاعجاب بنفسه وتجربته، ويوم يتوقف عن تصويب تجربته يقع في هوة الغرور والجمود.
الحضور الدولي
*هناك حضور واضح لعدة دول في اليمن خلال الوقت الراهن، ما يعيد للذاكرة كثيرا من الأطماع الاستعمارية مرة أخرى، سواء على مستوى السيطرة على جغرافيا يمنية معينة أو الهيمنة على البلد، وهذا ما ناضلتم لمنعه كثيرا في الماضي، وحققتم فيه نصرا كبيرا لسيادة الدولة وبسط سيطرتها على أرضها، هل نحن أمام موجة استعمارية جديدة، وما الذي دفع هؤلاء للعودة مرة أخرى؟ وكيف يمكن التعامل مع هذا الوضع؟
**إذا سمحت لي سأستشهد هنا بما قاله الاستاذ محمد حسنين هيكل رحمه الله، عشية ثورات الربيع العربي: "إن هناك قوى خارجية بدأت تطل على الساحة لأن لها مصالح حيوية"، خصوصاً وأن عندنا من قطع على نفسه تعهدات لا نعلم عنها شيئاً، وإن كنا نستشعر أثرها، واليمن يمر بهذه الحالة تماماً التي أشار إليها هيكل، وهناك الآن من ينتهز الفرص للتدخل، وتحقيق مالم تكن ظروف أخرى تسمح به.
كما أن اليمن يتمتع بموقع استراتيجي في باب المندب والبحر الأحمر والقرن الافريقي والمحيط الهندي والجزيرة العربية وهو يدفع ثمن هذا الموقع عبر التاريخ.
*قدمتم خارطة طريق ومبادرة سابقة للحل في اليمن، ومؤخرا استجدت أحداث جديدة، هل لازلتم متمسكون بمبادرتكم أم لديكم تصور ومبادرة جديدة تتناسب مع المستجدات الأخيرة؟
**الخطوط الرئيسية لمبادرتي لم تتغير، خاصة تلك القائمة على الحوار ونبذ العنف، ووقف الحرب واستعادة الدولة ومؤسساتها، ووجود رئيس وحكومة واحدة وجيش واحد، وتسليم سلاح الفرقاء للدولة ممثلة بوزارة الدفاع، لكن تحدث أحياناً تطورات تستدعي إضافة بعض البنود لمبادرتي، لكن الجوهر يظل قائما.
*رحبتم بالهدنة الأخيرة في اليمن، فهل يمكن أن تمثل الهدنة مدخلا للحل الشامل في اليمن؟
**لأول مرة منذ ثمان سنوات من الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، وقتلت البشر ودمرت الحجر، أُتيحت فرصة نادرة لوقف الحرب عبر هذه الهدنة المعلنة والتي رحب بها الجميع، ونأمل من كل أطراف الحرب ان يستغلوا هذه الفرصة التاريخية لوقف الحرب.
السلام في اليمن
*كيف يمكن تحقيق السلام في اليمن، بعد كل هذه السنوات من الحرب، والخصومات، والأحقاد، والانقسام، وغياب وتشرذم مؤسسات الدولة، وضياع الجيش، وانعدام الأمن، وكل التداعيات الناجمة عن الحرب؟
**ما جرى شيء كبير ومهول، فهذه حرب استمرت أكثر مما قُدر لها، وقد خلفت واقعاً مدمراً ومؤلماً دفع ثمنه الشعب اليمني أكثر من غيره، تغيرت أشياء كثيرة واستجدت حقائق جديدة، وصعدت قوى على الساحة تريد تحقيق نزعات وطموحات فردية ومناطقية وحتى إقليمية.
الحرب طالت بسبب تجار الحروب وهم محليون وإقليميون ودوليون أيضاً، لكن في الاخير الجميع تعب من الحرب ولابد لها من نهاية لا توجد حرب تستمر الي الأبد، وكل حرب يعقبها حوار وسلام.
*جماعة الحوثي متمسكة بوجهة نظرها للحل في اليمن، وهناك من يراها متعنتة ورافضة للسلام، كيف تنظر لتعاطيها مع الأحداث طوال السنوات الماضية؟
**بحكم علاقاتي مع أنصار الله، كما هي مع كافة القوى على الساحة اليمنية، فإن الجميع لا يرفضون السلام، ولكن لدى الجميع اشتراطاتهم، وبواسطة الحوار يمكن التوصل الى نقاط اتفاق يقبلها الجميع، وتذلل الصعوبات. المهم أن تتوقف هذه الحرب ويتحقق السلام.
*كيف تقيمون الجهد الأممي والدولي في اليمن، هل نجحت الجهود الاممية والدولية في إنقاذ اليمن؟ ام انها لم تكن عند مستوى الوضع في اليمن؟
**المبعوثين الأمميين المكلفين بحل الأزمة باليمن (جمال بنعمر، وإسماعيل ولد الشيخ، ومارتن جريفيث، وهانس غريندبيرغ) بذلوا جهودا لوقف الحرب، وإحلال السلام في اليمن، ولكنهم لم يتوفقوا، لأن القرار ليس بيد اليمنيين، ولكنه بيد الدول الإقليمية والدولية، كما أن بعض القوى اليمنية لا يريدون وقف الحرب لأنهم مستفيدين منها.
التحالف العربي
*هناك من يتحدث عن أجندة وتآمر من دول التحالف (السعودية والإمارات) يستهدف اليمن وينال من جغرافيته ووحدته، ما وجهة نظركم أنتم في هذه النقطة، خاصة مع خبرتكم ومعرفتكم بالعلاقة مع الدولتين والدول المحيطة باليمن منذ عقود؟
**في هذه النقطة تحديداً، علينا أن نتفق أن في أمن واستقرار اليمن أمن واستقرار المنطقة، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، وفي ذلك مصلحة لليمن ولجيرانها وللامة العربية جمعاء، وعبر الحوار بين اليمن ودولته، وبين الدول الخليجية يمكن الوصول لاتفاق على هذه المصالح، نوعها ومكانها وكيفية إداراتها بما يحقق المصالح المشتركة ولا يتجاوز السيادة الوطنية، ويحقق الأمن القومي العربي والأمن والرفاهية لشعوبنا العربية.
*أصدرتم العديد من المؤلفات والكتب ومن أهمها مذكراتكم الشخصية التي صدرت في جزئين، وكتابة المذكرات أمر يتجاهله الكثير من السياسيين، ويهتم به قلة منهم، ما دوافع الكتابة؟ وكيف وجدتم الأصداء عنها؟
**بل بأربعة أجزاء وتحمل عنوان، ذاكرة وطن، هي:
وأعمل الآن على اصدارها في كتاب واحد (ملخص) وترجمته إلى اللغة الإنجليزية، ليتاح لعدد أكبر من القراء والمهتمين بأوضاع اليمن وهذه المنطقة الاطلاع عليها، أما دوافعي لكتابة مذاكراتي فقد لخصته في مقدمة كتابي.