مقبل نصر في حلقته الـ15 يكتب عن: لحظات سياسية قبيل تحقيق الوحدة اليمنية وجدل الدستور وحضور صالح والبيض قمة بغداد

اختلفنا مع نقابة المهن التعليمية في عدن، على تسمية نقابة المعلمين في صنعاء، هم يصرون أن النقابة تأخذ كل المهن في التربية، من الفراش إلى الوزير، ونحن نرى أن المعلم أولى بالنقابة، كي يناضل ضد المسؤولين عليه، أما إذا اجتمعوا كلهم في النقابة تناضل النقابة ضد من؟

قالوا لا يمكن اتحاد النقابتين، إلا متماثلتين، وتم تأجيل النقاش حتى يتم انتخاب قيادة النقابة وفروعها، فتم الانتخاب، وفاز بقيادة نقابة المعلمين "الإخوان المسلمين"، فكان البعد أبعد، وحصلت نقاشات بين قيادة النقابتين، لكنها لم تصل إلى نتيجة، وحتى إنشاء اتحاد التربويين في الشمال لعله يلتقي مع النقابة في الجنوب لم يتم.

تكريمي من العطاس في عدن

في 1989، كرمت وزارة التربية والتعليم في الشطر الجنوبي، تربويين من الشطر الشمالي بمناسبة عيد المعلم، فكنت أنا وأحمد الوشلي، من الوزارة، ومجموعة من تعز، وآخرين ضمن المكرمين، وفي حفل التكريم سلمنا حيدر أبوبكر العطاس، شهادة التكريم وساعة "سيكو" لكل مكرم.

وفي طريقنا إلى التكريم، من الشريجة إلى عدن ظلام دامس، لا وجود للكهرباء إلا في عدن فقط، الاتصالات بين المدن غير موجودة إلا بحجز وبالطرق القديمة من الاتصالات.

محمد عبدالله الجائفي

كريتر كما تركتها في عام 1966، لم يضاف فيها بناية واحدة وكذلك البريقة والتواهي والمعلا، بل خرب بعض الذي كان موجودا، العمارات الكبيرة في المعلا عليها آثار الخراب والعناكب من الخارج، والقات مسموح به في يومي الخميس والجمعة فقط، ومسموح لك أن تدخل كمية محدودة من القات من تعز.

مناقشات اللجان الوحدوية

وفي عام 1989، أعلن رئيس المؤتمر الشعبي العام تحويل المؤتمر من تجمع يحوي كل الاتجاهات إلى حزب سياسي، كي يوازي الحزب الاشتراكي، ويتشارك الوحدة الاندماجية معه.

وبدأت جدية الوحدة اليمنية فعلا، تم تجميد خدمة الدفاع الوطني، وتم الاتفاق على تجميد نشاط الجبهة الوطنية في الجنوب، وتجميد نشاط "الزمرة" في الشمال مع معالجات مناسبة، والاتفاق على عودة المسرحين والمفصولين من الجهتين، وصدر في عدن قرار الاعتبار لشخصيات سياسية بما فيهم سالم ربيع علي.

وكانت اللجان تسافر إلى عدن من الوزارات والمؤسسات، وتناقش الهيكل الإداري والتنظيمي للمؤسسة، كي يستوعب القيادات الشمالية والجنوبية، وهذه لا خلاف عليها بالمناسبة، وقد تم تأجيل تنظيمها ومواصفات وتوصيفات أعمالها إلى بعد تشكيلها، وصدور قرار تعيين المسؤولين فيها.

وهناك لجان سياسية تضم الوزراء والوكلاء تناقش إستراتيجية المؤسسة، مثل تحويل مركز البحوث والتطوير التربوي من إجراء البحوث الميدانية وقياس كفاءة التعليم إلى تأليف المقررات الدراسية، والكتب المدرسية، واختيار أفضل ما في المنهجين الدراسيين، وتشكيل الوزارة إلى عدة قطاعات يرأس كل قطاع وكيل وزارة.

حيدر أبوبكر العطاس

وتحولت الإدارة العامة للإعداد والتدريب إلى قطاع التأهيل والتدريب، يتبعه أربع إدارات عامة التدريب قبل الخدمة والتدريب أثناء الخدمة، وتدريب القيادات التربوية، ومعهد التدريب لتنفيذ الدورات التدريبية.

فوضى الأحزاب مع الوحدة

تم الاتفاق على حرية التعددية الحزبية، وحرية عملها ونشاطها الحزبي والإعلامي، والمنافسة السياسية، فتحولت الأحزاب من الفكر والثقافة إلى البحث عن المناصرين لأغراض التصويت، مقابل وعود في تحسين أوضاعهم بواسطة الحزب.

وتم البحث والاستقطاب بدون شروط، حتى الأميين والتسابق على المشايخ بما فيهم الطغاة والفاسدين، وانشطرت بعض الأحزاب بحثا عن الدعم، رغم ضمان الدعم الرسمي، وأخرى انشطرت بين الموالاة للمؤتمر الشعبي العام والموالاة للحزب الاشتراكي اليمني.

وظهرت أحزاب فردية، ونسخ من أحزاب عربية، وتحالفات ورؤى، ومحاولة حشر المناضلين القدامى في هذه الاجتماعات مثل المشير عبدالله السلال، وغيره.

الإصلاح له مطلب واحد وهو عبارة في الدستور تضاف (الشريعة مصدر القوانين والتشريعات)، وتعمل الدولة ما تشاء، والاشتراكي يقول "لن نقبل بدولة دينية كهنوتية"، والمؤتمر الشعبي العام يقول "نحن شعب مسلم ولن نقبل بأي تشريع يخالف الإسلام، ولو لم تكن المادة موجودة في الدستور".

وتكاثرت الصحف، بشكل عجيب، ومارست حريتها كاملة ضد الطرفين، بما فيها السب والشتم واللعن والتخوين، وخرجت من إطار النقد إلى تناول الشخصيات، وأثيرت المناطقية، وقامت مؤتمرات تمثل محافظات تطالب بحقوقها من المشاريع والتعيينات، والحزب الاشتراكي يريد وحدة المحافظات الجنوبية إداريا عن طريق قطاع يرأسه وكيل وزارة يسمى وكيل فرع عدن، بما فيها التربية والتعليم.

الوحدة.. ذهول وأفراح

تمت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، وسط ذهول العالم، وعمت الأفراح، شمالا، وجنوبا، وشرقا، وغربا.

وحضر الرئيس علي عبدالله صالح، ونائبه علي سالم البيض، مزهوان في قمة بغداد، في 28 مايو 1990، وكانت من أنجح القمم في تاريخ الجامعة العربية، حيث تم التوافق فيها على كل القرارات ودعم القضية الفلسطينية والوحدة اليمنية، وتعهد الرئيس صدام حسين، بحماية كل بلد عربي يتعرض لاعتداء خارجي.

لحظات إعلان تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 بعدن

وللأسف، لم تطول الفرحة، فبعد القمة بشهر بدأت المشكلة بين العراق والكويت، وبلع الرئيس صدام حسين الطعم بغزو الكويت، ومن تداعياتها الكارثية كان خروج مليون مغترب يمني من السعودية.

كشوفات الأحزاب للتعيين

بعد إعلان الوحدة اليمنية، تعين الأستاذ محمد عبدالله الجائفي وزيرا للتربية والتعليم من جديد، كي يستكمل خطته في يمننة التعليم الأساسي ومطابع الكتاب المدرسي.

وتم فتح مجال التوظيف الرسمي لمخرجات الثانوية العامة بأنواعها، ويتم تدريبهم لمدة أسبوعين، في عواصم المحافظات، وأنا بدوري دربت مجموعة كبيرة منهم في ذمار، وأخرى في مأرب.

وكل حزب قدم كشفا إلى الوزير بأسماء يقترح تعيينها، ولم يجد الوزير اسمي في أي كشف، وافتخرت بالقول:

لا تصنفني فإني ألعن الحقد الدفينا

لست ممن يعطي عقلي دمية للآخرينا

يمني الحب أحيا مخلصا لله دينا

اشتغلت مع خبراء "الاميدست"، في تطوير مناهج معاهد المعلمين العامة، ومناهج معاهد المعلمين العليا سنتين بعد الثانوية، وقد تم إلغاء معاهد نظام الخمس، ولأول مرة ازور شبوة والمهرة في مهمة بحثية.

ولأول مرة أنفذ دورة تدريبية في صعدة للمديرين، وحدي أحاضرهم بجميع المواد، وفيها قلت:

غريب في لواء صعدة

يعيش البين والوحدة

بلاد ما بها أنس

وعيش يقتل المعدة

وعملتُ محاضرات للمعلمين في تعز، إضافة لمحاضرات مركزية في معهد التدريب "مركز التدريب سابقا"، وأعددت أول بحث تربوي وحدوي عن معلم التعليم الأساسي، في عام 1991، وقدمته في ندوة اتحاد المعلمين العرب في عدن.

وتم التوسع في كليات التربية في عدة محافظات على حساب مباني معاهد المعلمين الجديدة، ومن عادة جامعة صنعاء الاستيلاء على مباني المعاهد، باستمرار كلما دعت الحاجة بأوامر واتفاقات ثنائية.

د.حسن مكي

وفي عام 1991، أنهيت تأليف كتاب "أزمة الفكر التربوي العربي وانعكاسها على الأوضاع العربية الراهنة"، وقدمته إلى مركز الدراسات والبحوث اليمني، وشكل له لجنة من كلية التربية تم مراجعته وإقراره، وطباعته في دار الفكر بدمشق.

عن الخلاف حول المناهج

في احتفال في مركز البحوث والتطوير التربوي، ألقيت قصيدة، عن الخلاف حول المناهج في مركز البحوث والتطوير التربوي:

قل لأبطال السياسة

اتركوا الجيل وناسه

أينما شئتم فكونوا

وزعوا ألفين ماسه

واقتلوا الشعب وعودا

واقتلوا الوضع دراسة

وتركوا الجيل نظيفا

من دهاليز النجاسة

نحن في وضع رهيب

يشحت الإنسان رأسه

والبراميل الحبالى

للزعامات المداسة

ليموت الشعب فقرا

وليعش كلب الحراسة

فاتركوا الجيل ليبني

مجده الآتي بفأسه

ولد الجيل لعصر

لن تكونوا فيه ساسة

فرد نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسن مكي "نحن نريد جيلا مسيسا ينتزع حقوقه من أنياب الأسد ومخالبه"، فقلت: وأنا أريد جيلا يقتل الأسد، فضجت القاعة بالتصفيق.

تقاسم القطاعات الحكومية

ضمن اتفاقات الوحدة، جرى إلغاء نسبة رئيس الجمهورية في الانتخابات البرلمانية، وهذه خطوة جيدة، لأن انتخابات عام 1988، كانت نسبة الرئيس مهزلة، أدخلت المجلس من فشلوا في الانتخابات، فكانت النتائج لا معنى لها، ضربت معايير وقيم المنافسة.

وصارت الأحزاب متفقة على المشاركة في السلطة والثروة، والتخلي عن الفكرة والثورة، والشعب غائب عن أهداف الأحزاب كلها، وككل القطاعات، جرى تشكيل قطاع التدريب والتأهيل في وزارة التربية والتعليم، بالتقاسم الحزبي.

فالدكتور مجيد غانم وكيل القطاع (اشتراكي)، الأستاذ عبده علي قباطي وكيل مساعد (إصلاح)، والأستاذ إبراهيم محمد شرف الدين مدير عام الإعداد قبل الخدمة (مؤتمر)، والأستاذ عبدالوهاب المصباحي مدير عام التدريب أثناء الخدمة (إصلاح)، والأستاذ صالح محمد عفيف مدير عام تدريب القيادات التربوية (اشتراكي)، والأستاذ أحمد سلام مدير عام معهد التدريب (ناصري).

التربويون من جانب الحزب الاشتراكي كانوا كفاءة تربوية عالية، وكان عندهم تعليمات إذا لاحظوا الفساد الإداري والمالي لا يفعلون أي مشكلة ولا يشتبكون معهم، إنما يبلغون الحزب الاشتراكي.

علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض ومسؤولين يمنيين

ونهاية عام 1991، اشتغلنا في قطاع التدريب على تحديد الإدارات التي تتبع كل إدارة عامة، وحسم الوكيل د. مجيد غانم، النقاش، بتبعية كل إدارة عامة ثلاث إدارات فقط، هي إدارة التخطيط والبرامج، وإدارة التنفيذ والمتابعة، وإدارة الرقابة والتقويم.

واشتغلنا بعد ذلك على المهام والمسؤوليات والعلاقة مع المحافظات، وسافرت ومدير عام معهد التدريب إلى عدن لمقابلة مدير عام معهد عدن، والاتفاق على الاندماج في معهد واحد، فحسم الأمر، وقال نحن نتبعكم وننفذ تعليماتكم.

وعد الوزير بالتعيين

وفي الفترة المسائية مستمرون مع خبراء "الاميدست"، لتطوير قطاع التدريب والتأهيل، دكاترة من جامعة اليرموك الأردنية، مثل د. محمد الخوالدة ود. خالد العمري ود. توفيق مرعي، والمدير التنفيذي يمني د. محمد الحبيشي.

تدريب وتأهيل على مجموعات، في الإدارة والتنظيم والمناهج والإشراف، أنا كنت في مجموعة المناهج، وقد صرفت سيارات جديدة للوكيل ومساعده ومدراء العموم فقط، ونحن صرفت لنا مكافأة بدل جلسات.

ونظمت دورات تدريبية لمدراء الإدارات في عام 1992، لمدة ستة شهور في جامعة اليرموك الأردنية، مع مصروف شهري، 500 دولار، وأنا مدير إدارة التخطيط والبرامج في الإدارة العامة لتدريب القيادات التربوية، لكني اعتذرت عن المشاركة في الدورة، لظروف خاصة.

وقد أصدر لي الوزير قرارا (مستشار مادة أصول التربية وعلم النفس التربوي)، بموجب عرض وكيل قطاع التوجيه والمناهج، وهي درجة مالية في قانون المعلم، كتعويض عن منصب مدير عام، ووعدني الوزير بأن أول مدير عام يموت في أي قطاع سيتم تعييني بدله، وللأسف لم يمت مدير عام في عهده.

يتبع في الحلقة القادمة.

*خاص بالموقع بوست.

تابعنا في :

مشاركة: