[ الباحث اليمني المهتم في علم آثار اليمن ]
تستمر عمليات تجريف ونهب آثار اليمن وبيعها في المزادات بالعواصم والمدن الغربية خلال السنوات الأخيرة، في ظل تقاعس دور الحكومة وجهات ذات الاختصاص.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن تعرضت الآثار والمخطوطات اليمنية والتي تقدر بمليون قطعة لعملية تجريف ونهب وتخريب وتهريب إلى خارج البلاد خصوصا في الأعوام الأخيرة، وتم بيعها في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
الواقع إنه لا يكاد يمر أسبوع أو شهر، دون الإعلان عن مزاد عالمي لبيع الأثار اليمنية المهربة، هذه الظاهرة تعاظمت مع إنقلاب جماعة الحوثي على الدولة في 21 سبتمبر 2014م التي تواجه تهما بأنها من تقوم بعملية التهريب والمتاجرة بآثار البلاد، بالتعاون مع أطراف في الحكومة المعترف بها دوليا.
ويُعدّ اليمن متحفاً مفتوحاً، ولا يكاد يخلو موقع أو منطقة فيه من تاريخ محكي أو آثار مطمورة أو حضارة ازدهرت وبُنيت، في حين تعرض نحو 12 متحفاً من أصل 20، وفق مسؤول سابق في الهيئة العامة للآثار والمتاحف بصنعاء، للنهب والتدمير والخراب المنظم على يد الجماعة الحوثية.
وتضم معظم المتاحف العالمية والإقليمية كثيراً من تماثيل الوعول البرونزية والذهبية أغلبها سبق أن هُربت عبر عصابات من اليمن، حيث يعد أشهرها قلادة الوعل "الذهبي" بمتحف لندن، ووعل "مريمة" في دار الآثار الإسلامية في الكويت، ووعل مجموعة آل ثاني في فرنسا.
نتوقف في حوارٍ مع الخبير في علم الآثار عبدالله محسن لـ"الموقع بوست" وهو أحد المهتمين الذين عملوا مؤخراً في كشف وتتبّع عمليات بيع الآثار اليمنية في عدد من المناسبات والمزادات العالمية، للحديث عن عمليات التهريب وأسبابها والشبكات التي تقف وراء ذلك.
نص الحوار:
*بشكل غير مسبوق زاد بيع آثار اليمن في المزادات العالمية خلال الأعوام الأخيرة.. كيف تفسر ذلك؟
**تهريب الآثار ليست ظاهرة جديدة بل هي قديمة من فترة الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن والحكم العثماني لشماله، وإلى تلك الفترة وما أعقبها من حكم السلطنات والحكم الإمامي تنسب أكبر عمليات التهريب في السابق، إلا أن الظاهرة تطورت كثيراً خلال الحرب الحالية وتجاوزت أي مستوى على الإطلاق.
اقرأ أيضا: الإعلان رسميا في "تل أبيب" عن مزاد لبيع 15 قطعة من آثار اليمن
ويمكننا تفسير ذلك بتلاشي دور الدولة على المستوى التنفيذي، وعدم مواكبة قانون الآثار لمستجدات الظاهرة، وضعف قانون الآثار فيما يتعلق بالعقوبات الرادعة لعمليات النهب والتدمير للمواقع الأثرية والمتاجرة بالآثار. ولأنه لا صوت يعلو فوق صوت الحرب، ولا مصلحة تعلو فوق مصلحة تجار الحروب أصبح التهريب أمرا عادياً ولم يعد خافيا على العيان. وأصبحت الآثار سلعة متاحة للبيع والشراء، أمام نظر الحكومة وأجهزتها التنفيذية. وأحيانا بحماية ورعاية أطراف وشخصيات نافذة فيها.
*هل للحرب في اليمن تأثير وراء تهريب الآثار إلى خارج البلاد؟
**الحروب تولد الفوضى، خصوصا عندما تكون حروبا عبثية، والفوضى بوابة كل المشكلات والظواهر السلبية، لذا كان للحرب في اليمن تأثير بالغ على حال الآثار. وهذا لا يعني أن الحرب وحدها هي السبب.
اقرأ أيضا: بيع تمثالين من آثار اليمن.. الأعلى سعرا في مزاد دويتش "إسرائيل"
فالاضطرابات والاحتقان السياسي والصراعات وإن لم تكن حرباً مسلحة، لكنها في حقيقة الأمر تصنع ذات الفوضى التي تصنعها الحروب وتساهم في رفع مستوى الجريمة المنظمة، ومنها تخريب المواقع الأثرية والمتاجرة بالآثار، ولذلك يمكن اعتبار الفترة من 2003 حتى اليوم أكبر فترات تهريب الآثار.
*هل هناك شبكة تهريب منظمة لتهريب الآثار ومن يقف وراءها؟
**بالطبع هناك شبكات وليست شبكة واحدة لتهريب الآثار، ليس من الطبيعي ولا المنطقي أن نشاهد هذه الكميات الكبيرة من القطع الأثرية في المزادات ودور العرض وأسواق الفن دون أن تكون هناك جهات منظمة مدعومة محليا ولها طرقها في التهريب وتمتلك دورة مالية تستطيع من خلالها تبييض الأموال الناتجة عن هذه التجارة.
من الصعب الإفصاح عن قيادات هذه الشبكات كونها شبكات جريمة منظمة، هذا واجب أجهزة الدولة وهي الغائب المنتظر.
*هل هناك أطراف بعينها تقف وراء التهريب؟
**لا يمكن اتهام دولة أو تنظيم أو حزب أو جماعة بالوقوف مباشرة وراء التهريب، لكن هناك في الغالب في بعض هذه الكيانات الاعتبارية أشخاص لهم علاقة بالتهريب.
وعلى الرغم من صراعاتهم وحروبهم، إلا أنهم متفقون فيما يتعلق بالتجارة المشبوهة كالآثار والسلاح، وكل مسؤول لا يؤدي دوره وواجباته الوطنية تجاه هذه الظاهرة الخطيرة هو طرف مشارك في التهريب، دون أدنى شك، وإن لم يهرب قطعة أثرية واحدة ولم يجنِ أي أرباح مباشرة أو غير مباشرة من ذلك.
*برأيك كيف تتم عملية التهريب هل برا أم جوا عبر المطارات؟
**في الغالب يكون التهريب عبر البر ثم الجو، وبحسب ما أفادتنا مصادر في المنافذ البحرية فإن التهريب عبر الموانئ والمرافئ ازداد في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ.
اقرأ أيضا: عمره أكثر من 2500 عام.. بيع مجسم نسائي من آثار اليمن بـ 900 يورو في مزاد عالمي
أما بالنسبة للجو فقد أكد لي وزير خارجية سابق بأن عدد من السفراء أبلغوه بعد متابعتهم لقضايا آثار في الخارج بأنهم وجدوا أن الكثير منها قُدم كهدايا من مسئولين يمنيين لأجانب.
وأرى أن هذه الهدايا لن تكون بالحجم الكبير رغم وجودها، كما ساهم التسيب في إصدار الجوازات الدبلوماسية قبل وبعد الحرب في تسهيل التهريب عبر المطارات، خاصة مطار عدن.
*كيف تُقيّم دور الحكومة وجهات ذات الاختصاص بشأن تهريب الآثار والإعلان عنها وبيعها في المزادات العالمية؟
**الأصل أن تُقيم الحكومة دورها وما تقوم به أولا بأول لتلافي توسع ظاهرة تهريب الآثار، لكن الاستقطابات السياسية الحاصلة تكاد تعطل كل فرصة لتحقيق إنجاز ما.
اقرأ أيضا: وعل برونزي من آثار اليمن يعرض للبيع في مزاد عالمي بلندن نهاية نوفمبر الجاري
لا يمكن تحميل الهيئة أو الوزارة المسئولية بشكل منفرد، المسئولية تقع أيضاً على المنافذ الجمركية والأجهزة الأمنية ورئيس الوزراء شخصيا ورئيس الجهورية في مناطق سيطرة حكومته ورئيس المجلس السياسي الأعلى في مناطق سيطرته ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في مناطق سيطرة قواته، والأمر ينطبق على حكام الأقاليم غير المعلنة في مناطق نفوذهم.
*هل هناك تحرك جدي من الحكومة في استرداد بعض آثار البلاد المنهوبة في الخارج؟
**هناك تحرك من وزارة الثقافة والخارجية والسفارات اليمنية في الخارج في بعض قضايا الآثار في فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وأسبانيا، وتقف الإمكانات المالية وضعف رئاسة الوزراء ومكتب الرئاسة والمناكفات السياسية أمام نجاح هذه الجهود.
وهنا أود أن أشير إلى الجهود الاستثنائية، للدكتور محمد جميح سفير اليمن لدى اليونيسكو، في ملفات بعض قضايا الآثار في الخارج.